استخدمت واشنطن البعد التاريخي في علاقتها مع الدول الخليجية لكي تتجاوز الانتقادات الموجهة إليها من الساخطين على سياستها في الداخل الأميركي وخارجه، ففي قمة كامب ديفيد حرصت الإدارة الأميركية على إبراز تاريخ تحالفها مع الدول الخليجية ليكون قاسماً مشتركاً يضمن نجاح القمة بعد أن فقد الحاضر خاصته كواقع مشاهد يجذب الحل للأزمة بشكل قاطع لا يقبل التردد وانتظار المصير الغائب.. واشنطن تنظر للمستقبل بعين المتردد الذي لم يحدد نقطة انطلاقة نحو المجهول، فكل الاحتمالات واردة في المستقبل فقد تتخلى الولايات المتحدة عن تحالفها مع الدول الخليجية لأسباب لا تشبه أسباب التحالف اليوم، وهذا الشيء لم تعبر عنه صراحة واشنطن لأصدقائها الخليجيين في قمة كامب ديفيد، بل العكس هو ما ظهر منها، قدمت عقود السلاح، وبيان التنديد بالسياسة الإيرانية، وعرضت الشراكة في الحرب على الإرهاب وخيار الدولتين لحل القضية الفلسطينية، والمساعدة لحل الأزمة السورية مع التأييد للأسباب التي قامت عليها عاصفة الحزم، كل هذا حدث في قمة كامب ديفيد وكل هذا كان صادقاً، ومن هذا الصدق يأتي القلق، فالخليج خلافه مع واشنطن يكمن في حسابات المستقبل القريب، وليس في بيانات تصف أزمات الحاضر بشيء يبدو متضامناً ومتحالفاً مع الخليج، قضية الخليج مع واشنطن ليست معقدة مثل حل قضية البرنامج النووي الإيراني الذي أحرق أعواماً عديدة ولم يصل إلى حل، وقدمت واشنطن في سبيله تنازلات معتبرة ولم تضمن حلاً نهائياً له، أما القلق الخليجي فقد رأت واشنطن أن صورة مشتركة تجمع رئيسها مع رؤساء الوفود الخليجية إضافة لوعود عسكرية وسياسية كافية لإزالة القلق والتوتر بينها وبين دول الخليج، أما حبس الأنفاس وشد الأعصاب فقد ذخرته للمفاوض الإيراني.. بساطة في اللقاء وبساطة في حل الإشكال، هذا ما وجدته الدول الخليجية.. إن معرفة شكل الوجود الخليجي في الاستراتيجية الأميركية، شيء يجب ألا تتجاوزه المباحثات مع الصديق الأميركي، فهل وجود الدول الخليجية في الرؤية الأميركية المستقبلية وجود طارئ، لا يكون له شكل الدولة، بدائي طائفي، ترسم حدوده الانهيارات الكارثية والسيطرة الفارسية، وجود فارغ من مضامين الحاضر للدولة من سيادة وهوية، القلق الخليجي قلق وجود وضماناته لا تكون إلا بانهيار المشروع الفارسي العنصري الذي سهلت واشنطن ظهوره على الأرض كواقع، فهزيمة الوجود العربي المستقل عن إيران في العراق يعد هزيمة لكل الإقليم وكذلك السماح لطهران بتحديد هوية سورية في المستقبل أمرٌ لن يقتصر على سورية وحدها، فمستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران وحدود تحالفهما المستقبلي هو ما يقلق الدول الخليجية وليس قوة طهران في الحاضر، فعندما تصبح قوة طهران شرطاً وحيداً لضمان المصالح الأميركية في المنطقة لن تكون الدول الخليجية إلا تاريخاً في السياسة الأميركية تعترف بوجوده في الماضي، ولا تنكر أنها تجاوزته لصالح وضع جديد فرض عليها ذلك. لمراسلة الكاتب: malmutairi@alriyadh.net