حينما تصر إيران على إرسال باخرة تدّعي أنها تحمل مساعدات إنسانية لليمن، وترفض التسليم والإذعان لتفتيشها، كما هو المتبع من قوات التحالف المسنودة بقرار أممي يمنحها هذه المشروعية، ثم ترافق هذه الباخرة بعدد من الطرادات الحربية على سبيل التحدي، فهي تكشف ما تبقى مما كان يستر عريها أمام المجتمع الدولي، وقبل هذا أمام الداخل الإيراني الذي بدأ يعي كيف تنصرف حكومته إلى مثل هذه المناورات الرخيصة؛ للتغطية على اخفاقاتها في سوريا والعراق، واستنفاد مقدرات الشعب الإيراني، وقوته اليومي في حروب عبثية هنا وهناك، خصوصا وأن الجميع يعلم أن هذه الباخرة الاستعراضية لن تبل حلق أكثر من 25 مليون يمني يعانون من ضيق الحصار الذي فرضه عليهم نزق جماعة أنصار الله الموالية للنظام الإيراني، وحرصها على اختطاف الشعب اليمني والاستبداد بالسلطة على حساب الشرعية لمصلحة مرجعيته الإيرانية، وبالأخص وهو يسمع ويرى بالصوت والصورة كيف تمد المملكة يدها لليمن بإنشاء مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية، وإضافة مليار ريال إلى ما سبق الإعلان عنه لصالح المساعدات الإنسانية البعيدة عن الغرضيات؛ للتخفيف على الأشقاء هناك، والعمل من خلال عملية إعادة الأمل على إعادة بناء اليمن، وبناء تنمية كافة محافظاته ومديرياته في مختلف قطاعات التنمية؛ لتأهيله مجددا لاسترداد عافيته بما يكفل له السير باتجاه المستقبل. هذه المفارقة بين الموقفين، لا تفضح النظام الإيراني، وغاياته الاستعراضية التي تحاول ترميم صورته الاستنزافية وحسب، وإنما تقدمه بالفعل للعالم أجمع، وللداخل الإيراني الذي يتجرع المرارات جراء إنفاق مقدراته خلف أسراب الأوهام التوسعية، واستدعاء أوهام الإمبراطوريات مما وراء التاريخ، لتكشف بما لا يدع مجالا للحسابات الخاطئة، كيف يفكر القادة الإيرانيون، وإلى أين يأخذون شعبهم وبلادهم. من يألم لليمنيين، لا يرسل إليهم علب الحليب بالطرادات الحربية، وفي هدنة إنسانية ترعاها الأمم المتحدة، ومن يألم لليمنيين، لا يبعث بمعوناته ويرفض تفتيشها إلا لأنه إما يخاف من كشف ما يدس لهم في داخلها؟، وإما لأنه لا يُريد بها المساعدة، وإنما استرداد ما فقده من دعوى القوة، من يتألم لحال اليمنيين لا يرسل السلاح بمختلف أنواعه منذ العام 2009 م إلى الميلشيات ليحولها إلى ألغام أو قنابل موقوتة في خاصرة الشعب اليمني، ليعود بعد خراب عكا، للتباكي عليهم بعد أن دمرهم بسلاحه، ودمّر حتى من يحمل ذلك السلاح، وظن أنه يستطيع أن يستقوي به على الجميع، بباخرة لا أحد يعرف حمولتها، وبحماية قوة بحرية، فقط من أجل التحدي، وصرف الأنظار عن تهاوي مشروعه التوسعي في غير مكان. لقد كان بوسع إيران لو أنها فعلا تجد من الضمير ما يكفي لتحريك المشاعر الإنسانية، أن تضع مساعداتها في عهدة الأمم المتحدة؛ لإثبات حسن نواياها، لكنها في واقع الأمر تريد أن تقدم لليمنيين هدية مسمومة، وهذا ما يجيده هذا النظام منذ قيام ثورته الإمامية في العام 1979م على يد الخميني، ولا تزال، إذ لم تستطع أن تستفيد من تجاربها في الدول التي امتدت إليها يدها، ومزقتها حتى أصبح شررها يهدد كيانها هي قبل غيرها، وهذا ما بات واقعا معروفا أمام العالم أجمع.