أكد البروفيسور بيرنارد ماير رئيس قسم الكيمياء الجيولوجية في جامعة كالجاري في كندا أن إمدادات النفط من الشرق الأوسط لا تواجه مخاطر انقطاع باعتبار أن معظم إنتاج المنطقة قادم من دول الخليج، التي تتمتع باستقرار سياسي وأمني عاليين. وقال ماير، إن أسعار النفط تعاود عافيتها تدريجيا وستتجاوز مستوى الـ80 دولارا للبرميل قريبا، وذكر أن خريطة الاستثمارات النفطية تنبئ باختفاء مستثمرين ودخول آخرين جدد. واعتبر البروفيسور في جامعة كالجاري الكندية، الذي أجرى عدة أبحاث في النفط والغاز الصخريين، أن هذه الصناعة تواجه أزمة طاحنة في الوقت الراهن بسبب انخفاض الأسعار وارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة منافسة منتجي النفط التقليدي. فإلى تفاصيل الحوار. كيف تنظر إلى التوترات والصراعات السياسية في الشرق الأوسط وتأثيرها في إمدادات النفط؟ عديد من مناطق الإنتاج الرئيسة في الشرق الأوسط آمنة وبعيدة عن أي تأثير للصراعات السياسية خاصة في دول الخليج صاحبة الإنتاج الأوفر وفي الوقت نفسه تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي كبيرين. وبالتالي هذه الصراعات تأثيرها محدود. أظن أن أسعار النفط بالرغم من زيادة المعروض ستظل تنمو وربما تتجاوز 80 دولارا للبرميل قريبا جدا بسبب استمرار تراجع الإنتاج الأمريكي. ما توقعك لمستقبل الطلب العالمي على النفط خاصة في الصين ودول آسيا؟ الطلب العالمي على النفط مرشح للنمو بشكل كبير ومتسارع في الصين وآسيا الذين ما زالوا يعتمدون بنسبة كبيرة على النفط التقليدي لتلبية أغراض الصناعة والطاقة وبالرغم من اهتمامهم الواسع بمصادر الطاقة الجديدة والبديلة إلا أنها لا تمثل إلا نسبة محدودة من مزيج الطاقة لديهم. ما تقييمك لدور منظمة أوبك في سوق النفط العالمي؟ "أوبك" لها دور مهم وحيوى منذ أكثر من 50 عاما في ضبط السوق وتوازن الإنتاج والأسعار، والمنظمة واجهت تحديا كبيرا بعد طفرة الإنتاج الصخري في الولايات المتحدة الذي حاول أن يحجم دورها في سوق النفط. لكنها صمدت ونجحت في الاحتفاظ بحصصها السوقية، بينما يتقهقر الآن النفط الصخري ويواجه صعوبات بالغة تهدد استمراره. هل تعتقد أن الولايات المتحدة ستصبح قريبا مصدرا للنفط إلى العالم؟ أتوقع أن تصبح الولايات المتحدة مصدرا للنفط قريبا لكن لا أتوقع أن تكون مصدرا ناجحا إذا استمرت أسعار النفط منخفضة على النحو الحالي. من الصعب أن تستمر أمريكا في الإنتاج والتصدير إلا إذا ارتفعت الأسعار إلى المستويات السابقة لـ حزيران (يونيو) 2014 بسبب التكلفة العالية لإنتاج النفط الصخري. حتى تنمو استثمارات القطاع ويصل إلى مرحلة فائض الإنتاج والتصدير لا بد أن يعود النفط إلى مستويات الأسعار السابقة أي فوق 100 دولار للبرميل. كيف ترى مستقبل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وكندا في السنوات المقبلة؟ يواجه النفط والغاز الصخريان بالفعل صعوبات واسعة في الاستمرار في الإنتاج في المرحلة الراهنة وهو ما يهدد مستقبل كثير من استثمارات هذا المجال الذي راهنت الولايات المتحدة وكندا عليه بشكل كبير. لكن استمرار الإنتاج سواء في أمريكا أو كندا أصبح محفوفا بالمخاطر وهو ما دفع الكثيرين إلى التوقف بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف تكسير الصخور وضخ المياه إلى الطبقات شديدة الانخفاض في القشرة الأرضية. علاوة على ذلك زادت المخاوف في كل دول العالم من المخاطر البيئية لهذا الإنتاج الجديد والصعب والمرتفع التكلفة. ما حجم تأثير انخفاض الأسعار على هذا الإنتاج؟ انخفاض الأسعار إلى مستويات متدنية في الشهور الماضية كان بمنزلة أزمة اقتصادية طاحنة للاستثمارات في هذا القطاع وهو ما أدى إلى تجميد واسع في أنشطة هذا الإنتاج. لكن الجميع يراهن الآن على عودة الأسعار إلى الارتفاع ومن ثم يمكن استئناف أنشطة الاستثمار والإنتاج في هذا المجال من جديد الذي ظهر بقوة كمنافس قوى للنفط التقليدي ولكنه لم ينجح في الصمود في المنافسة بسبب ارتفاع تكاليفه وتدني الأسعار. ما الحجم الحقيقي للتأثيرات البيئية السلبية الناتجة عن زيادة إنتاج النفط الصخري؟ لا يوجد حتى الآن قياس دقيق لحجم الأخطار البيئية الناتجة عن مشروعات النفط الصخري لأن الأمر ما زال قيد البحث والدراسة. لكن هناك مؤشرات أولية سلبية عن تأثيرات ضارة في القشرة الأرضية قد تقود إلى حدوث الزلازل لكن علميا لم يتم التأكد فعليا من هذا الأمر. إلا أن هناك مخاوف تتنامى ومؤشرات يجرى دراساتها للوصول إلى نتائج علمية موثقة عن علاقة إنتاج الصخري ببعض الأضرار والكوارث البيئية المحتملة. متى يتم التأكد من حجم هذه الأخطار؟ ربما بعد عشر سنوات أو أكثر يمكن تحديد حجم تلك الأخطار بشكل علمي دقيق لأنه لا يمكن قياسها وتحديدها بشكل فوري. نحتاج مزيدا من الأبحاث العلمية الخاصة بالتربة وبالانبعاثات الناتجة عن هذه الصناعة قبل أن نقرر بدقة كيف يمكن التعامل بيئيا مع هذه الصناعة. كما نحتاج إلى تطوير أدوات البحث العلمى من أجل الوصول إلى الطبقات العميقة التي يتم تكسيرها وقياس التغير فيها ومدى تأثيره على البيئة. الأبحاث في هذا المجال ما زالت قليلة ومحدودة. إنتاج النفط الصخري أثار احتجاجات شعبية في عديد من الدول بسبب الخوف من مخاطره البيئية. كيف تنظرون لذلك؟ بالفعل حدثت احتجاجات كثيرة على هذا الإنتاج من قبل المواطنين في عدد من الدول بسبب ازدياد المخاوف من التأثيرات السلبية على البيئة. لذا في كندا نجد أن الحكومة تركز على المناطق غير المأهولة بالسكان خاصة في غرب كندا وهو الإجراء الأمثل في هذا النوع من الإنتاج حتى يتم التوصل علميا لحجم تأثيرات إنتاج الصخري بدقة على البيئة. كيف ترى مستقبل التنافس بين النفطين الصخري والتقليدي أو بين الموارد التقليدية وغير التقليدية للطاقة بشكل عام؟ يعتمد هذا على ظروف كل بلد. في بلدي كندا على سبيل المثال؛ موارد الطاقة التقليدية تتراجع على نحو حاد والطاقة التقليدية تشكل 50 في المائة فقط من مزيج الطاقة في كندا. ويجرى التوسع بشكل كبير في الموارد غير التقليدية لكن صعوبات الإنتاج وارتفاع تكلفته تحد كثيرا من تزايد الاعتماد على الإنتاج الصخري. إلا أن التطور التكنولوجي سيلعب الدور الرئيس في نمو الاعتماد على الموارد غير التقليدية فإذا تم التوصل إلى تكنولوجيات أكثر تطورا وأقل تكلفة في إنتاج الموارد غير التقليدية وعلى رأسها النفط والغاز الصخريان سينمو هذا المجال وينتعش على نحو واسع والعكس صحيح. إلا أننى أرى التطور التكنولوجي يسير بمعدلات سريعة. ما توقعاتك للاستثمارات النفطية في ضوء استمرار حالة انخفاض الأسعار؟ دون شك تواجه الاستثمارات النفطية تحديات كبيرة وشاملة في ضوء الأسعار المنخفضة ومن الصعب عليها تطوير وتنمية أعمالها في الظروف الراهنة. ولا شك أن خريطة الاستثمار ستتغير مع الوقت فمن المتوقع أن بعض المنتجين يختفون وآخرين يظهرون. في النهاية البقاء للأصلح والأقدر على التواؤم مع متغيرات وتحديات السوق. إلى أي مدى ترى أهمية وضرورة التنسيق والتعاون بين المنتجين والمستهلكين؟ الأمر ليس مجرد تنسيق وتعاون. هناك حاجة إلى حوار جاد وبناء بين كل الأطراف وهناك حاجة أيضا إلى بيانات علمية اقتصادية دقيقة محايدة تعبر عن السوق وتخدم الاقتصاد العالمي بنزاهة وشفافية. يجب أن نتخلى عن حديث المجاملات والعواطف ونلتزم بتعاون وحوار فعال بين الاقتصاديين وبين مختصي البحث العلمي للتوصل إلى رؤى جيدة تعود بالنفع الاقتصادي على كل الأطراف.