×
محافظة مكة المكرمة

حكايات مثيرة في «مشهد» شارع بغداد

صورة الخبر

كتب - أشرف مصطفى: حفل الزمان الجميل بإبداعات عمالقة الثقافة والفنون في دولتنا الحبيبة، قدّموا الكثير خلال مسيرتهم التي كانت في بعض الأحيان مليئة بالمطبّات والعثرات. ومع ذلك ما زالوا ينبضون عطاءً إلى يومنا الحالي، مُستقلين قطار الإبداع، ومواصلين طريقهم على قضبانه، وخلال هذا الباب نحاول التعرّف على أهم المحطات التي توقف عندها أو انطلق منها "قطار" الفنان التشكيلي "علي حسن الجابر" الذي حملنا معه في هذا العدد لنمرّ برحلة تحمل لحظات سعادة ونجاح أو إخفاق وخيبة أمل، ذكريات جميلة، وآمال وطموحات مشرقة قادمة، فيحدّثنا من خلالها عن علي حسن لاعب كرة القدم خلال فترة الستينات، والمصوّر الفوتوغرافي في السبعينيات، والخطاط الذي عشق الحروف العربيّة منذ كان تلميذًا فاحترف العمل في هذا المجال، إلى أن أصبح التشكيلي المتميّز الذي تبهر أعماله الكثيرين حول العالم. > حدثنا عن بداياتك مع الفن التشكيلي ؟ - كنت أنوي في صغري احتراف كرة القدم، حيث كنت ألعب لنادي الجسرة الرياضي قبل تحوّله للنشاط الثقافي والاجتماعي وذلك خلال فترة الستينيات، وكنت حينها ما زلت تلميذًا في المرحلة الابتدائية ومع ذلك شاركت مع فريقي في العديد من البطولات، وحصلت خلالها على لقب أفضل لاعب في دوري الدرجة الثانية الذي كان يلعب فيه حينها نادي الجسرة، وكنت أحلم أن أكمل مشوار الرياضة وبالفعل انتقلت لنادي الوحدة الرياضي (العربي حاليًا)، وأشاد بمستوى أدائي حينها العديد من اللاعبين الكبار في ذلك الوقت، ولكن الإصابة منعتني من الاستمرار في هذا المشوار، حيث كُسرت يدي اليمنى وبعد أن تعافيت من الإصابة وعدت للملعب مرة أخرى كُسرت يدي اليسرى، وعندها قرّرت أن أترك لعبة كرة القدم، وفي ذات العام الذي تركت فيه تلك اللعبة بدأ نشاطي في مجال الخط الذي استمرّ معي إلى الآن بعد أن أدخلت عليه الفن التشكيلي، ليشاء القدر أن تبدع يدي التي كسرتها لعبة كرة القدم في مجال جديد يعتمد على اليد في الأساس. > كيف انتقلت من الخط إلى الفن التشكيلي؟ - أحببت الحروف العربية وتعلقت بالخط على يد أحد أساتذتي في المدرسة، وهو الأستاذ سعيد، وهو الذي كان يدرس لي حينها مادة اللغة العربية، وهنا بدأ نشاطي يظهر في هيئة لوحات الحائط الإرشادية والقرآنية، واللوحات التي تحتوي على الأحاديث النبويّة، ثم اتجهت لمجال الإعلان للمحلات التجارية، وعملت كخطاط في العديد من الصحف والمجلات من بينها مجلة الجوهرة، والعهد، والخليج الجديد، وأسواق الخليج، كما عملت كخطاط في تليفزيون قطر حتى عام 1982، ومنذ بداية تجربتي حرصت على تنفيذ قاعدة المثابرة والتطوّر والتعلم المستمرّ، وفي عام 1972 كنت أعمل أحيانًا دون أجر لتحقيق التعلم والمتعة والإخلاص للفن، ورغم أني لم تُتَح لي فرصة دراسة الفنون، وتحقيق رغبتي في توسيع آفاقي العلمية بدراسة الخط العربي وفنون التشكيل، حيث التحقت بقسم التاريخ في جامعة قطر، لكنني حرصت على دراسة الفن بجهدي الشخصي وتطوير خبراتي في هذا المجال من خلال تطوير ثقافتي البصرية والتأمل لكل ما حولي وحرصي على متابعة تفاصيل الأعمال الفنية سواء كانت عالمية أو محلية، وكنت حريصًا على تطوير موهبتي بالعمل المستمر حيث كنت أقوم بكتابة اللافتات والإعلانات للمحلات التجارية وعملت على كتابة الإعلانات في الشوارع للدعاية للمسرحيات التي تعرض في مسرح قطر الوطني منذ إنشائه، وواصلت عشقي وشغفي لتطوير ذائقتي الفنية بالمشاهدة المستمرّة لأعمال الآخرين ومحاولة اكتشاف التقنيات المتجدّدة، وبالمثابرة في العمل وصلت لمزج الخط العربي بالتشكيل، ليظهر في النهاية أسلوبي الحالي الذي أعمل من خلاله، والذي ربما بدأ يتشكل ويأخذ طبيعته التي تطوّرت بعد ذلك منذ عام 1982 وهو ذات العام الذي تخرجت فيه من الجامعة. > منذ متى بدأ شغفك بالتصوير الفوتوغرافي؟ - بدأ شغفي بالتصوير الفوتوغرافي منذ فترة السبعينيات، وحينها كنت أقتني كاميرا أقوم من خلالها بتصوير عدد من الصور ذات الموضوعات التراثية المتعدّدة، وربما أكثر ما كان يستهويني حينها المراكب والبحر والصيادين، وفي تلك الفترة لم تتوفر لنا بالطبع تلك التقنيات الحديثة الموجودة حاليًا، فكانت زاوية التصوير ورؤية المصوّر للأشياء من منظور خاص هي أساس العمل المصوّر، وهو ما جعلني دائم البحث عن العديد من الأشياء التي لا يهتمّ بها الإنسان لأراها أنا من زاوية أخرى، وفي زمننا الحالي يمكنني القول إن كل بيت به عدّة كاميرات لكن أيهما تخرج فنًا، فعين المصوّر وعشقه للتأمل هو ما يدفعه لاختيار غير التقليدي ليبهر به مُحبّي مشاهدة الصور الفوتوغرافية الجمالية، وعامة فأنا لا أبحث عن الشكل الجمالي الجاهز، فالجدران مليئة بالجماليات المختفية وببعض التأمل يمكن أن تخرج الكثير من المشاهدات التي تعبّر عن الكثير. > حدثنا عن تجربتك من اللوحة إلى المجسمات والنحت؟ - على الرغم من أن تجربة المجسمات والمنحوتات، كانت مفاجئة لجمهور الفن الذي اعتاد على أعمالي في فن الرسم، إلا أنها كانت تتويجًا لبحث مستمر في الحروفية عمومًا وفي حرف النون على وجه الخصوص، وكانت تجربة خيول الصحراء ومن بعدها مجسم قرية الشعراء، انطلاقة لمغامرة فنيّة حملت الحرف من جماليات التلوين إلى مضمار المجسمات والنحت، وقد سعدت بالاستجابة المميّزة والقبول التي وجدها مجسم قرية الشعراء عندما عرض في جاليري انيما في انطلاقته عام 2011. > كيف انتقلت من حرف النون إلى آفاق أكثر اتساعًا؟ - لقد كان نجاح تلك التجربة مدخلاً للتواصل والاستمرارية لتنفيذ مشاريع أخرى، توّجت بالعقد الذي أبرمته مع "أنيما"، وكذلك اختيار هيئة متاحف قطر لي لتنفيذ مجسم خيول قطر لوضعه في مطار حمد الدولي، وتعدّ تجارب قرية الشعراء وخيول الصحراء والجمل العربي، امتدادًا لتجربة واحدة هي البحث عن جماليات حرف النون، واكتشاف قابليته للتشكل والتعبير بصور وأشكال متعدّدة. ويمثل الخيال الكلمة المفتاح في هذه التجربة، التي فتحت لي آفاقًا واسعة لمعالجة حرف النون من خلال وسائط السيراميك والحفر الطباعي والنحت. > ما الذي أردت تقديمه من وراء معرضك الماضي "آثر"؟ - أردت من خلال هذا المعرض التعبير عن مجموعة من المشاعر الخاصّة بحالات إنسانية متنوّعة عبر تصوير كل ما هو متعلق بالإنسان، حيث تضمن هذا المعرض مجموعة من اللقطات الفنيّة والجماليّة لمشاهد تركها الناس لتمثل أعمالاً فنيّة غير مباشرة أو مقصودة أردت تسجيلها عبر أعمالي ليتم توثيقها بطريقة إبداعيّة، حيث بدأت تجذبني تلك المشاهد وتستفز كاميرتي لتسجيلها منذ ما يقرب من العامين فارتبطت بالتصوير الضوئي، وأصبحت أحمل الكاميرا باستمرار لالتقاط تلك الصور العابرة التي أصبحت تستوقفني بما تتضمنه من عوالم إنسانيّة جميلة تحمل قيمًا تراثيّة تنتمي للبيئة القطرية وتستغرق في المحليّة، كما قدمت من خلال المعرض مجموعة من الأعمال التي تستعرض ملامح بعض الوجوه، وأطلقت عليها مسمى "وجوه منسية"، فضلاً عن مجموعة من الأعمال النحتية التي سيتضمنها المعرض. > أيهما الأجدر للنهوض بالحركة التشكيلية.. المؤسسات الخاصة أم الرسمية؟ - المشهد الفني يجب أن يسير في إطار واحد وعلى كل المؤسسات رسمية أو خاصة إدراك أن كلاً منهما يكمل الآخر، فالجاليريات الخاصّة تقدّم خدمات للفنان يصعب تقديمها من قبل المؤسسات الحكومية والعكس أيضًا صحيح، فالمشهد التشكيلي لا يستطيع أن يستغني عن أحدهما.