يطرح الدكتور عبدالمحسن هلال سؤاله في جريدة عكاظ (العدد 5066) حول التخطيط، وهل هو خرافة أم فانتازيا، في معرض حديثه عن التغيير الأخير الذي طال وزارة الاقتصاد والتخطيط بتعيين وزير جديد لها. وبعيداً عن نفي الدكتور صفة التخصص الأكاديمي عن التخطيط، وانه ربما لا يحتاج إلى شهادة جامعية، إذ ان هذا الاعتقاد قد يكون هو مشكلة التخطيط لدينا، كما هي مشكلة الإدارة التي نعتقد، للأسف الشديد أنها حق مشاع ومتاح للجميع أن يمارسه بعيداً عن تخصصه وخبراته في هذا المجال. أقول بعيداً عن هذا القول، سأذهب إلى سؤال الدكتور لأقول إن التخطيط علم له أصوله وأسسه وطرقه ومناهجه، وكذلك آليات قياسه ومتابعته بل ورجاله الذين يعلمون نظرياته وقواعده. وان التخطيط ولكي ينجح، وهذا ربما يكون سبب فشل التخطيط في الكثير من أعمالنا ومشاريعنا وبرامجنا، فانه لابد أن ينبثق من رؤية شاملة لذلك الجهاز أو تلك المؤسسة، يتحدد من خلالها المسار، وتتضح فيها البوصلة، ليأتي التخطيط ويحدد الطرق والسبل والوسائل بل والإمكانات المطلوبة، وآليات التطبيق اللازمة لإنجاح ذلك التخطيط للوصول إلى الرؤية المطلوبة. مشكلتنا يا دكتور، أننا ندعي ممارسة التخطيط دون أن يكون لدينا رؤية واضحة ومحددة، تجمع الشتات وتوحد الاتجاهات، وبالتالي يحدث التخبط والتضارب، بل وإصدار القرار ونقيضه. والأسوأ أن ذلك التخطيط الذي نمارسه، على علته ونقصه، يكون مفصولاً عن كيفية التطبيق التي يجب أن تمارس، والآليات التي لابد أن تتبع، بل والإمكانات التي يتطلب الأمر توفيرها أو التخطيط لتوفيرها عند الحاجة، والنتيجة تعثر وتأخر وبطء في التنفيذ. الإشكالية هنا يا دكتور، مرة ثانية، ان التخطيط يحتاج نفساً، وطولة بال، ونحن للأسف الشديد لدينا من المشكلات والقضايا والاحتياجات المتراكمة، ما يجبرنا أن نستجيب لهذه الاحتياجات الآنية بعيداً عن سياقاتها المستقبلية، وبعيداً عن اتساقها وتناغمها مع حاجات أخرى، لدرجة أصبحنا معها نقاد بالمشاكل لا نقود المشاكل، وهذا هو الفرق بين التخطيط وبين الفعل وردة الفعل، وهذه الأخيرة هي أخطر ما تمر به القرارات الإدارية. المشكلة الأخرى مع التخطيط، إذا افترضنا صحة قواعده ومنطلقاته، ان نتائجه لا تتضح إلا على المدى البعيد، والمسؤول، مدفوعاً بتشجيع المستفيدين من خدمات الجهاز الذي يشرف عليه وإعجابه برجع الصدى لتصرفاته وقراراته السريعة لا وقت لديه للانتظار، وهو إن حسنت نيته وأراد، سيجد اللوم من العديد من الأطراف التي لا تدرك الجهد والبناء الذي يقوم به ذلك الرجل من أجل المستقبل ومن أجل إيجاد عمل مؤسسي يبقى لما بعد رحيل ذلك المسؤول. الخلاصة اننا سنظل هكذا نطارد مشاكلنا هنا وهناك، مالم تتغير النظرة ونمارس التخطيط السليم بأسسه ومعاييره الصحيحة ونقود المجتمع وفق ذلك التخطيط وبرامجه ومشاريعه لا أن يقودنا المجتمع بحاجاته الآنية وردود أفعاله العاطفية في الكثير من الأحوال.