تحمل الدرعية رمزية سياسية لافتة باعتبارها مدينة تمتلك إرثاً وتاريخاً مهماً في ذاكرة السعوديين؛ ولا غرو، ففي هذه المدينة تشكّل تاريخ الدولة وعلى جنباتها سطر حكّام هذه البلاد ملاحم من البطولات، وهي تعد عاصمة الدولة السعودية الأولى، وفيها قصر العوجا الذي أنشأه الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل سنوات، واختار موقعه بعناية خاصة على ضفاف وادي حنيفة ملاصقا لحي الطريف، الذي يضم قصور الأسرة الحاكمة منذ الدولة السعودية الأولى. ويقع قصر العوجا على مرتفع جبلي بوادي حنيفة، وهذا الاسم (العوجا) هو إعادة إحياء الاسم التاريخي للمنطقة، ليظل في عقول الشباب، ويتذكروا المناطق التاريخية والمعارك التي تم خوضها لتوحيد المملكة العربية السعودية تحت راية التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله. ومعنى اسم العوجا باللغة العربية هو الوادي الملتف الأعوج، لأن الدرعية تقع في الوادي المعوج وجزء منه ينحرف قليلا، والاسم عائد لنخوة الأسرة الحاكمة آل سعود لأهل الدرعية والعارض جميعا. «حنا أهل العوجا».. مدلول ارتبط بنخوة آل سعود وأهل العارض في نجد يضم القصر صوراً تاريخية للرياض القديمة والمؤسس وأبنائه ومقتنيات أثريّة وأكثر من 50 صورة ويضم القصر الصور التاريخية للرياض القديمة، وللملك عبدالعزيز وأبنائه، وبعض المقتنيات من السيوف والبنادق، فيقدر عدد الصور التي توجد في الباحة بأكثر من 50 صورة، وكل منها عليها شروح كافية عن مضمونها، وأسماء الأشخاص فيها، ومكانها وتاريخها. ويوجد في الجهة اليمنى للقصر المجلس الملكي وقبله رواق طويل على جدرانه صور عدة للملك عبدالعزيز ومدينة الرياض، فيما توجد بالجهة اليسرى صالة الطعام التي تتسع لعدد كبير من الضيوف، وفي الجهة الشمالية غرفة مكشوفة فيها مجموعة من الصور لمدينة الرياض، وفي أعلى القصر (السطح) يطل على الفضاء المفتوح وعلى وادي حنيفة القديم. وكان الدكتور فهد بن عبدالله السماري الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز تناول في بحث عميق مدلول كلمة «العوجا»، مبيناً ارتباطها بنخوة آل سعود وأهل العارض في نجد المعروفة «حنا أهل العوجا»، و»خيال العوجا وأنا ابن مقرن» و «راعي العوجا وأنا ابن مقرن»، اللتين كان الملك عبدالعزيز يبث بهما الحماس في جيشه لرد المعتدين، مرجعاً دلالتها إلى مدينة الدرعية السعودية، ومبيناً بالأدلة الشعرية والشواهد أن العوجا ذات دلالة مكانية لا علاقة لها بانتساب لخيل مشهورة تعود أصولها إلى الخيل المشهورة (أعوج) كما قيل في تفسيرها أو لقطيع إبل مشهور، إذ يطلق على الإبل الضامر عوجا كما استدل بعض الباحثين والمؤلفين أو لجبل العارض المعوج التكوين حسب ما انتهى إليه بعض الباحثين. وافاد أن المقصود في هذه الجملة الحماسية مدينة الدرعية التي تقع على واد متعرج ومعوج، وأن جملة أهل العوجا وخيال العوجا تعنيان أهل الدرعية وخيال الدرعية، موضحاً أن ما قيل إنها تعود إلى وصف للملة الحنفية (لأنها جاءت لتقوّم الملة التي ابتدعها ضالون على أنها الحنفية) أو الدعوة الإصلاحية في نجد (كما وصفها جهلاً معارضوها) مجرد تخرصات أو زيادات كيدية ألصقت بشكل تعسفي لا يتفق مع حال وواقع الملة الحنيفية والدعوة الإصلاحية المستقيمة في مبادئها ودعوتها. وانتهى الدكتور السماري إلى أن المقصود في هذه الجملة الحماسية هو مدينة الدرعية التي تقع على واد متعرج ومعوّج فسميت بالعوجا، فجملة أهل العوجا وخيال العوجا تعنيان أهل الدرعية وخيال الدرعية، وأن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ورث من أجداده مؤسسي الدولة السعودية الأولى هذه «العزوة» والنخوة الذين ابتدعوها واستخدمها لاحقاً أهل العارض ونجد مثلهم في ذلك مثل كل القبائل في الجزيرة العربية التي كانت لها نخواتها الخاصة لشحذ الهمم وترسيخ مبادئ الوحدة بين أفرادها، ورد المعتدين، ودفع الظلم عن المظلومين، وإظهار أقصى طاقات النفس المكنونة للدفاع عن مبدأ أو عرض أو أرض، وكانت النخوة والعزوة احدى الثقافات الاجتماعية السائدة في تلك الأيام وما قبلها. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –أيده الله- قد حسم في فترة سابقة نقاشاً صحافياً دار حول دلالة كلمة العوجا في نخوة آل سعود وأهل العارض في نجد التي ابتكرها آل سعود قبل بداية قيام الدولة السعودية الأولى بأنها تعود لمدينة الدرعية، مستدلاً بأبيات شعرية معروفة ومشهورة لشعراء تلك الفترة التاريخية حين قيام الدولة السعودية الأولى، وبمعرفته الشخصية للمعنى من خلال حياته مع والده الملك المؤسس، مسدلاً بالأدلة القطعية مجادلة اعتمدت غالبيتها على الأدلة الظنية، ليأتي هذا الكتاب الجديد توسعاً في موضوع بحث الدلالة وفتح المسار لبحوث أطول تعتمد التوثيق الموضوعي المستند على أدلة واضحة لا على التخرّص والتناقل من دون تمحيص وتحقيق.