علاقة غريبة تلك التي نشعر نحن النساء أنها تربطنا بروح العصر، بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. الوسائل التي اخترعت من أجل حل مشكلاتنا كبشر، تفتح إحدانا عينيها صباحاً على «الإنستجرام» لتشاهد صورة «ريوقنا» أو فطورنا اليوم، وصورة غدائنا بالأمس أو عشائنا، التي أرسلتها إحدى الصديقات. وبدورها ترسل هي «هذه الهدية التي وصلتني اليوم»، وكلما مارست الهواية التأمت حولها الصديقات وسلامتك.. صورة رائجة عن حياتنا الداخلية المعاصرة، وعلى الرغم من ذلك نقول الحمد لله فما زال بيننا من يطالبن بين فينة وأخرى بمواجهة الواقع باتزان، كما في الجدل حول قوانين إجازة الأمومة، وتقاعد المرأة والمرأة العاملة في المنزل. الحمد لله أننا أفضل حالاً من وريثات المناضلات النسويات اللاتي جرهن سوء فهم دور التكنولوجيا في حياة المرأة إلى أبعد مما نتصوره! فقد جرهن إلى الخروج على تقاليد الموجة الثانية من منتسبات الحركة النسوية «الفكر النسوي». وإذا كنتم تذكرون، فهذه الموجة بلغت ذروتها في سبعينيات القرن الماضي، واجتاحت العالم، وفرضت مؤسسات ومفاهيم جديدة ذات علاقة بوعي المرأة بذاتها، وما الذي ينبغي أن تشمله حياتها كإنسان؟. وربما يتذكر بعضنا الكتب والمؤلفات والصحف والمجلات الورقية الاجتماعية، الثقافية، الفلسفية، السياسية والاقتصادية و.. التي أنتجتها «نسوية» تلك المرحلة، ما اتفقنا معه وما لم نتفق. والواقع أن تلك الموجة لم تخل من إضاءات مهمة على حياة المرأة بتفاصيلها الصغيرة، كدورها كربة منزل، وهو مثال صارخ حين تعالت الأصوات بالمناداة بحقها في الحصول على الأجر نظير وظيفتها هذه. حياة المرأة داخل بيتها كانت من الأساسيات التي حظيت بالنقاش، ووضعت لها الحلول العملية التي تناسب المرحلة. اليوم وأنت تفتش عن موضوعات حول المرأة والنسوية وحياة المرأة داخل بيتها تفاجأ بهذا المفهوم، وهو يفقد زخمه. يبدأ ذلك من عندهم في الغرب، ومن نماذج عملية، مثل «مامي بلوغ» أو مدونات الأمهات وربات المنازل اللاتي سهلت لهن التكنولوجيا التواصل، لطرح إشكاليات حياتهن، والتكسب مادياً، لتبدأ المرأة في الترويج لحياتها ولعملها في المنزل بإسفاف، من تقديم كشوف بأسرار حياتها كزوجة وكأم، إلى القصص والصور ذات المحتوى المختلف عن «هذه غرفة نومي قبل وبعد أن تصيبها العين بالحريق!». هل يكون الترهل الفكري النسوي رديف التقدم التكنولوجي؟».