ثلاث قضايا ترتهن لها السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، هي: أمن إسرائيل، ومكافحة الإرهاب، وتأمين إمدادات النفط، هذه القضايا الثلاث تعمل مجتمعة أو منفردة، كمحرك أساس للسياسة الأمريكية تجاه سائر قضايا الإقليم، بما فيها تلك المتعلقة بقيم تقول الولايات المتحدة إنها تدين بها، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذه القضايا الثلاث يمكن النظر إليها باعتبارها محددات أو مفاتيح الدبلوماسية الأمريكية في القمة الخليجية - الأمريكية التي تلتئم في كامب ديفيد الأسبوع المقبل، ففي ضوئها يمكن استشراف اهتمامات القمة كما يمكن توقع نتائجها. لابد في البداية من إدراك أن المنطقة برمتها في غرفة إعادة الهيكلة، وأن النظام الإقليمي برمته، دخل غرفة إعادة التأهيل، وأن السياق الزمني لقمة كامب ديفيد، قد يكون مصدرًا لالتهاب القضايا فيها، وقد يكون سببًا في هيمنة قضايا معينة عليها، في مقدمتها الملف النووي الإيراني، الذي ينتظر حسمًا في 30 يونيو المقبل. تعرف إدارة أوباما أن ثمة غضبًا خليجيًّا، ومخاوفَ معلنةً، أو كامنةً، من خططه لإنجاز اتفاق نووي مع إيران، لا تخشاه دول الخليج الست، لكنها تخشى نتائجه، وهو ما أشار إليه جيمس جيفري الباحث بمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، محذّرًا أوباما من مغبة الخلط في لقائه بقادة الخليج بين ما يستهدف «المعالجة»، وما يستهدف «التغيير»، فالأولى تعني التعامل المباشر مع مصدر التهديد «النووي» الإيراني، والثانية تعني التعلل بالقدرة على إحداث تغيير في طبيعة النظام الإيراني من خلال تبادل المنافع معه.. وبحسب جيفري فإن قادة الخليج يريدون الأولى لأنهم يدركون استحالة الثانية. رائحة الصفقة الأمريكية - الإيرانية، استبقت قمة كامب ديفيد، وقد تؤثر على أجوائها، وربما على نتائجها، كذلك فإن مستويات الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط بين إيران وبين النظام الإقليمي العربي، دخلت قبل القمة طورًا جديدًا، سواء في سوريا حيث تلقى حلفاء طهران هزيمة ثقيلة في شمال سوريا وجنوبها، اعترف بها الأسد، مشيرًا إلى أنه انهزم في معركة، لكنه لم يخسر الحرب بعد، أو في اليمن حيث تدور معارك «استعادة الأمل» فيما يتلقى حلفاء طهران ضربات موجعة، وسط مطالب من الرئيس الشرعي لليمن بتدخل بري يبدو وشيكًا، لإنقاذ عدن. ما يجري على الأرض في الساعات الأخيرة، سواء في سوريا أو اليمن، سيؤثر على أجواء القمة المقبلة في كامب ديفيد، حيث يحاول أوباما إقناع قادة الخليج بقبول الصفقة «النووية» مع طهران، فيما يحاول قادة الخليج إقناع أوباما باستحالة قبولهم بدور أوسع لطهران في شؤون الإقليم. مؤشر النجاح عند أوباما هو تقليص فرص طهران في امتلاك سلاح نووي إلى أدنى مستوى، ومؤشر نجاح قادة الخليج هو تقليص فرص طهران في الحصول على نفوذ إقليمي، على حساب النظام الإقليمي العربي. أوباما لا يمانع في الاعتراف بدور خاص لطهران، تسامحت معه إدارته، بل وطلبته -أحيانًا- في العراق وسوريا، مقابل تخلّي إيران عن طموحها لامتلاك سلاح نووي، وهو ما يبدو أن إيران على استعداد لقبوله ضمن صفقة تقضي بمقايضة النفوذ بالقنبلة. وقادة الخليج يرفضون الاعتراف بدور خاص لإيران في أي قطر عربي، ويدركون أن التصدّي لشبح «القنبلة» ليس مهمتهم وحدهم، إذ ينشغل به النظام الدولي كله، أمّا شبح النفوذ الذي نراه يمرح في شوارع صنعاء وبغداد وبيروت ودمشق، فهو الشغل الشاغل لقادة الخليج، وبخاصة المنخرطين ضمن التحالف العربي في عمليتي، عاصفة الحزم، واستعادة الأمل. تبقى منطقة وسطى ممكنة في كامب ديفيد، هى «إلغاء» القنبلة، و»تقليص» الدور، وتلك الثانية تظل رهنًا بما يمكن تحقيقه على الأرض في سوريا واليمن قبل الثلاثين من يونيو المقبل، موعد التوقيع على الاتفاق النووي النهائي. انتظروا أسابيع ساخنة إذن.. فسباق الدور والقنبلة سيشهد تصعيد ما قبل الحسم. moneammostafa@gmail.com