حين أراد زميلي أن يلتحق بكلية الملك فيصل الجوية للطيران، ذهب يستشير والدته لدخول عالم الطيران، فشجعته وباركت خطوته، لكنه عاد إليها ليبث لها مخاوف تدور في ذهنه ولم يجد لها جواباً، قال لها: أخشى ألا أعرف كيف أقود الطائرة، فبادرته بجواب جعله لا يتردد في دخول الكلية، قالت له: (من له عيون ورأس يسوي مثل ما يسوون الناس). يقول زميلي: عرفت أن كل ما أحتاجه هو المزيد من المعرفة وتطبيقها، فلدي عيون أشاهد بها، وأقرأ بها تجارب من سبقوني، ولي رأس يحوي أفضل وأسرع حاسوب في العالم عليّ أن أستثمره لأعمل كما يعمل الناجحون. الملك عبدالعزيز وحّد المملكة وثبت أركانها، والملك سلمان ومعه هذه النخبة من القادة سوف يأخذون المملكة إلى عهد جديد من التقدم والنمو، لذا علينا أن نضع الخطط العلمية للوصول إلى نادي الدول المتقدمة متسلحين بالعلم وحسن اختيار القادة لكل مؤسسة تذكرت هذا الكلام وأنا أرى جميع الدول العربية لا تزال من الدول النامية رغم ما تزخر به من ثروات وعناصر بشرية شابة وبدايات مبكرة للتعليم، مع أن دولاً كانت أكثر تخلفاً وفقراً من الدول العربية مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا سارت بخطى ثابتة نحو العالم الأول، بينما تأخرت دول أخرى مشابهة لها، وأصدق مثال على ذلك التباين الكبير بين شعب واحد متجانس كما هو في كوريا الجنوبية والشمالية وقبل ذلك ألمانيا الغربية والشرقية، مما يدل على أن السبب ليس في الجينات ولا المصادر الطبيعية لكنها الإرادة السياسية وثقافة المجتمع ومحاربة الفساد وتكافؤ الفرص والاستعانة بالخبرات العالمية. والمملكة مهيأة بإذن الله أن تواصل مسيرها نحو العالم الأول ليعم الرخاء والاستقرار ورقي الخدمات وتعدد مصادر الدخل، مما سيجعلها قدوة لبقية الدول العربية والإسلامية، فقيادة العالم العربي قد انتقلت إلى المشرق العربي ممثلة بدول مجلس التعاون وعلى رأسها المملكة. والوصول إلى العالم المتقدم يتطلب خطوات كثيرة من أهمها: أولاً. الإرادة السياسية وهي الموجه لجميع الخطط والاستراتيجيات وهي التي تصوغ الرؤية والأهداف وتتابعها، القيادة هي رأس الحربة في كل ميدان فعن طريق الإصلاح السياسي المستمر كما تعيشه المملكة في هذه الأيام تتجدد الدماء، وعن طريق حسن اختيار القادة والتغيير المستمر للمراكز التنفيذية يتحسن الأداء ويتوهج الحماس، والمملكة حباها الله بقيادة حكيمة واعية حريصة على مصالح شعبها وتوفير أفضل سبل العيش له، لذا نحن بحاجة إلى وضع رؤية وخطط طويلة المدى تضع المملكة ضمن الدول المتقدمة، فأهم عناصر التقدم متوافر لدينا وهو الإرادة السياسية وتوفر المال ووجود العنصر البشري المتعلم، كما أن النماذج الناجحة وأسباب نجاحها واضحة للعيان على مستوى العالم. ثانياً. ثقافة المجتمع من أهم أسباب الوصول إلى العالم الأول، فالمواطن هو المنتج والمربي والمحافظ على النظام والمكتسبات، لذا يجب التركيز على الاستثمار في العنصر البشري لتخريج مواطن يتمتع بثقافة البناء وحب الوطن واحترام أنظمته، وهذا لن يتحقق إلا بمعرفة روافد ثقافة المجتمع أولاً ثم إثرائها وزرع القيم التي تزيده قوة، ومن أهم روافد ثقافة المجتمع التعليم بجميع مراحله، علينا أن ننتقل من التلقين إلى التطبيق ومن التلقي إلى المناقشة والتفاعل وأن نطبق في المدرسة والجامعة ما نريد أن نراه من سلوك في البيت والشارع وأن نركز على قيم العمل واحترام الوقت والتعاون والتسامح، ومن أهم مصادر ثقافة المجتمع المسجد ووسائل الإعلام وما تحويه من برامج ووسائل ترفيه وتوجيه. حين سألت مختصاً في جنوب أفريقيا عن أسباب تدني الإنتاجية للرجل الأسود مقارنة بالرجل الأبيض هناك، ذكر أسباباً كثيرة لكن أهمها الحالة المتردية لمدارس السود وضعف القائمين عليها من مديرين ومعلمين ومناهج مما أسهم في تخلفهم وفقرهم وقلة إنتاجيتهم، وذكر أن من تم إلحاقهم في مدارس البيض من الطلبة السود أصبحوا أفضل حالاً من أقرانهم السود، ولا يقلون عن زملائهم البيض في الأداء. ثالثاً. المرأة هي نصف المجتمع والمربي لنصفه الآخر ولن تتقدم أمة إلا إذا تقدمت نساؤها، فالطير لا يحلق عالياً إلا بجناحين، ولا يستقيم المشي برجل واحدة، ومهما استقدمنا من العمالة لتمارس التجارة والأعمال الأخرى لسد النقص في الأيدي العاملة فهذا كله موقت لأن من جاء إلى المملكة سيعود إلى بلاده ومعه كل ما كسب من مال وخبرات. يجب أن نمكن المرأة من العمل كما كانت تعمل أمهاتنا وجداتنا نساء البادية والحاضرة، بل يجب أن نعود إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته حين كانت المرأة مشاركة في كل أنشطة الحياة وحتى مساندة لجيوش المسلمين في الحروب، وتصلي معهم في المساجد دون ستائر أو جدران، لقد تم الخلط بين الخلوة المحرمة التي هي بين رجل وامرأة في مكان معزول، وبين وجودها مع الرجل في مكان عام أو محل مكشوف للجميع، فالخلوة المحرمة تنتفي حرمتها بوجود امرأة ثانية أو حتى طفل، علينا ألا نجعل باب سد الذرائع سبباً في حرمان المرأة من ممارسة حقها المشروع في كسب الرزق دون وصاية عليها من أحد، خصوصاً إذا كانت الأسرة والوطن بحاجة إليها، علينا أن نعيد إلى المرأة ثقتها بنفسها وأن نستثمر كامل طاقاتها وإبداعاتها سواء داخل البيت أو خارجه. الملك عبدالعزيز وحّد المملكة وثبت أركانها، والملك سلمان ومعه هذه النخبة من القادة سوف يأخذون المملكة إلى عهد جديد من التقدم والنمو، لذا علينا أن نضع الخطط العلمية للوصول إلى نادي الدول المتقدمة متسلحين بالعلم وحسن اختيار القادة لكل مؤسسة، وأن نحارب الفساد بلا هوادة، وألا نستعجل النتائج فلا توجد طرق مختصرة للوصول إلى الأهداف الكبيرة.