القاهرة: محمد عبده حسنين تواجه الحكومة المصرية الانتقالية الجديدة، تحديات صعبة من أجل إنقاذ البلاد التي تشهد اضطرابات أمنية واقتصادية وسياسية جسيمة منذ اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011. وفي أول أيام عملها أمس بعد أداء اليمين الدستورية أمام الرئيس الانتقالي عدلي منصور، شهد مقر الحكومة بوسط العاصمة القاهرة، احتجاجات من جانب أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، لإعلان رفضهم هذه الحكومة والمطالبة بعودة الرئيس السابق للحكم. وتتشكل الحكومة الجديدة من الدكتور حازم الببلاوي رئيسا، إضافة إلى 33 وزيرا، معظمهم من التكنوقراط وليبراليين منتمين لجبهة الإنقاذ الوطني، التي كان يرأسها الدكتور محمد البرادعي، والذي تولى حاليا منصب نائب الرئيس للعلاقات الدولية. وكانت الحكومة قد أعلنت أول من أمس تسمية وزير للنقل، إلا أن القرار ما زال معلقا وجاري تسمية وزير جديد من بين ثلاثة مرشحين هم الدكتور أسامة عقيل أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس، والدكتور جلال سعيد وزير النقل الأسبق، والدكتور أحمد سلطان خبير النقل البحري. كما ينتظر تسمية وزير للعدل، بعد أن أوضح المتحدث باسم الرئاسة في وقت متأخر مساء أول من أمس أن المستشار أمين المهدي تم تكليفه بحقيبة وزارة «العدالة الاجتماعية»، وليس «العدل». وخلت الحكومة الجديدة من أي وزير ينتمي إلى التيار الإسلامي، بعد رفض جماعة الإخوان المسلمين وكذلك حزب النور السلفي الانضمام إليها. وعزل الجيش الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في الثالث من يوليو (تموز) الحالي بعد نزول ملايين المصريين للشوارع للمطالبة بتنحيته، لكن الآلاف من الإسلاميين لا يزالون معتصمين في عدة ميادين بالقاهرة أبرزها «رابعة العدوية» للمطالبة بإعادته للرئاسة. ويقول الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ووزير التعاون الدولي، إن الحكومة الجديدة ستركز على عدة ملفات هامة في الفترة الحالية متعلقة بالوضع الأمني وتحقيق المصالحة الوطنية وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة، بالإضافة إلى إيقاف التدهور الاقتصادي في البلاد من خلال تدابير مالية جديدة لتقديم خدمات لمحدودي الدخل. ويواجه الاقتصاد المصري منذ عامين تراجع معدلات النمو، وانخفاض معدلات الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم عجز الموازنة. وأعلن البنك المركزي المصري قبل أيام تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البلاد بنهاية يونيو (حزيران) الماضي، ليصل إلى 14.92 مليار دولار، ليفقد نحو 1.1 مليار دولار عن شهر مايو (أيار) الماضي. في حين وصل عجز الموازنة خلال 11 شهرا من العام المالي الماضي إلى 204.9 مليار جنيه (29.3 مليار دولار)، مقارنة بعجز قدره 136.5 مليار جنيه (19.5 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من عام 2011 - 2012، بسبب ارتفاع المصروفات العامة بنسبة أكبر من الإيرادات. وكانت السعودية والإمارات والكويت قد وعدت بتقديم ما يصل إلى 12 مليار دولار في صورة منح وقروض وشحنات وقود. وقال الدكتور أشرف العربي الذي شغل منصب وزير التخطيط إن «المساعدات العربية ستعين مصر على تجاوز المرحلة الانتقالية وإن البلاد ليست بحاجة لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حاليا»، وفقا لـ«رويترز». وعن التحدي الأمني، أكد اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، والمستمر من الحكومة السابقة، أنه سيعمل خلال الفترة المقبلة على تطوير قدرات الأجهزة الأمنية بشكل منهجي، مشيرا إلى أن الحكومة الجديدة كلفت رسميا بإنجاز عدة ملفات يأتي ملف الأمن على رأس أولوياتها. وأضاف أنه سيقوم خلال الفترة المقبلة بجولات ميدانية بجميع محافظات الجمهورية للوقوف على حقيقة الموقف الأمني ميدانيا، وإجراء لقاءات مع الضباط والأفراد والمجندين لتقييم المنظومة الأمنية ورفع معدلات الأداء. لكن المحلل السياسي مشهور إبراهيم أحمد قال لـ«الشرق الأوسط» إن «إيجاد مخرج للأوضاع غير المستقرة حاليًا، خاصة التدهور الأمني، لن يتم دون إجراء مصالحة وطنية شاملة تقبلها جميع الأطراف المختلفة.. وأنه دون تحقيق ذلك، من الصعب أن تشهد البلاد أي استقرار سياسي». في إشارة إلى رفض أي محاولات لإقصاء الإسلاميين عن المشهد السياسي. وأضاف إبراهيم أن «أبرز العقبات التي تواجهها هذه الحكومة تتمثل في كيفية التعامل مع المجتمع الدولي حيث لم يعترف صراحة بشرعية تلك الحكومة حتى الآن سوى عدد قليل من الدول العربية، بالإضافة إلى تجميد عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي». وقال: «ليس من المنتظر أن تعترف دول العالم بشرعية هذه الحكومة إلا إذا اقتنعت أن مصر تسير في المسار الديمقراطي». من جانبه، قال محمد أبو شادي، وزير التموين والتجارة الداخلية، في أول يوم عمل له بوزارة التموين أمس، إن البلاد خلال الفترة الماضية شهدت عبثا بمخزون السلع الاستراتيجية، مؤكدا أن عليه أن يتعرف على هذا المخزون، والوصول به إلى المعدلات الآمنة حتى لا يتأثر المواطن المصري، مؤكدا أن تأمين قوت الشعب يعد مسؤوليته والحكومة في المقام الأول. وفور تقلدها منصبها، ضمن 3 وزيرات سيدات في الحكومة، أكدت الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة الدولة لشؤون البيئة، أن ملف النظافة والمبيدات المسرطنة والمحميات الطبيعية على قائمة أولوياتها بجانب الملفات الأخرى. بينما شدد اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية على أنه سيقوم باستكمال المشوار الذي بدأه وزراء الإدارة المحلية السابقون ومشروعات رصف الطرق والإنارة والخدمات، لافتا إلى أهمية المشاركة المجتمعية للمواطنين. في المقابل، انتقد حزب مصر القوية، الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، التشكيل الوزاري وقال: «إنه لم يأت بأي جديد وأن البلاد تحتمل مزيدا من المحاباة». وقال الحزب، في بيان له أمس «أعلنا من قبل أننا نفضل أن يترأس الحكومة شخص سياسي مشهود له بالكفاءة على أن تكون له صلاحيات واضحة.. فإذا بنا نفاجأ برئيس وزراء قد أتى بلا صلاحيات وحكومة مسيسة». كما أبدت حركة شباب 6 أبريل اعتراضها على التشكيل الوزاري الجديد. وقال أحمد ماهر، المنسق العام للحركة، إن «التشكيل الوزاري احتوى عددا من الوزراء الذين فشلوا سابقا في مناصب رسمية، بجانب عدد آخر من الوزراء المنتمين لنظام مبارك المخلوع والحزب الوطني المنحل». وطالب ماهر بحسب بيان صادر عن الحركة، مؤسسة الرئاسة بإعلان خطاب تكليف وخطة الحكومة الجديدة وجدولها الزمني، وذلك تحقيقا للشفافية ومصارحة الشعب. لكن الدكتور عبد الله المغازي المتحدث الرسمي باسم حزب الوفد، أحد الأحزاب الرئيسة المشاركة في الائتلاف الحكومي، قال إن «البعض يترصد للحكومة الجديدة وينتظر فشلها للتشفي في الثورة»، مطالبا في الوقت نفسه الحكومة الجديدة بإحداث تغييرات حقيقية تمس المواطن البسيط. ونظم المئات من المتظاهرين من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين أمس مسيرات في شارع قصر العيني احتجاجا على تشكيل الوزارة المؤقتة الجديدة، وتجمهر المتظاهرون أمام مقر مجلس الوزراء، مرددين هتافات «مرسي هو رئيسي ارحل يا سيسي»، «الشعب يريد إعادة الرئيس». واشتبك أنصار مرسي مع قوات الأمن والأهالي دون وقوع إصابات حتى كتابة التقرير وقامت قوات الأمن بالقبض على عدد منهم.