×
محافظة المنطقة الشرقية

تفجير سيارة مفخخة في بغداد قرب مقر فصيل مسلح يقاتل ضد "داعش"

صورة الخبر

من منا لا يحلم بأن تعرف مصر تنمية إنسانية يتحقق فيها للمواطنين المصريين إشباع لحاجاتهم الأساسية من تعليم ورعاية صحية وعمل مجد ودخل لائق وحرية سياسية مما يوسع أمامهم نطاق الإختيار في كافة مجالات الحياة، بل ويمكنهم من إختيار القواعد التي تحكم هذه المجالات، أى قواعد العمل في مجالات السياسة والإقتصاد والإجتماع؟ ولكن معضلة التنمية الإنسانية هى أن غايتها الإنسان ووسيلتها الإنسان أيضا. السؤال هنا هو هل يملك البشر في مصر تلك القدرات التى تؤهلهم لتحقيق تلك التنمية؟. طبعا إجابتكم السريعة أعزائي القراء هى أننا نمتلك القوة البشرية القادرة على تحقيق التنمية الإنسانية. ألا يبلغ حجم قوة العمل في بلدنا أكثر تسع وعشرين مليون؟، وألا تتوافر في بلدنا مهارات وخبرات في كافة المجالات؟. هذا صحيح بكل تأكيد، ولكن دعونا نتمهل قليلا. المسألة ليست هى العدد، أو حجم القوة العاملة ولكنها مستوى تأهيلهم، أى مستوى تعليمهم ومهاراتهم، وفوق ذلك كله ثقافة العمل التى يتميزون بها. وكذلك الإطار الذى يعملون فيه، وما إذا كان مشجعا على الإنجاز والإتقان. للأسف الشديد هناك العديد من الدلائل والشواهد توحي بأن الإجابة قد تكون بالسلب. هناك أولا هذه التقارير الدولية عن القدرة التنافسية لدول العالم. لم نكن نحتل فيها مكانة متميزة قبل ثورة يناير. كان موقعنا في دليل القدرة التنافسية في العالم في سنة 2010-2011 هو الحادى والثمانون من بين مائة وتسع وثلاثين دولة، أى أننا كنا في ذيل الثلث الأوسط من الدول. ربما كانت هذه بداية، يعقبها الصعود إلى مكانة أعلى، ولكن ذلك لم يتحقق، فقد ظلت مكانة مصر تتدهور وفقا لهذا المؤشر حتى إنتهي بنا الحال هذا العام إلى إحتلال الموقع التاسع عشر بعد المائة وذلك من بين مائة وأربع وأربعين دولة، أى أننا نقترب من الخمس الأخير من الدول الأقل قدرة على التنافس في أسواق العالم. *** مسألة القدرة التنافسية هذه مهمة للغاية، فبدونها لا نستطيع تصدير سلع أو خدمات بالجودة الكافية التى تمكننا من كسب أسواق ودخول تكفي للوفاء بحاجاتنا للإستيراد الذي يغطى طعامنا ودواءنا ومصادر الطاقة وغيرها من السلع والخدمات. ولكن لماذا تتدهور قدرتنا التنافسية إلى هذا الحد؟. لا أريد أن أثقل عليكم بالإحصائيات، سأكتفي بذكر بعضها وأكثرها أهمية، وسأحيل إلى ما عرفتموه الأسبوع الماضى وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال. هناك أولا جودة المؤسسات التى تحكم مصر. ليس لدينا سلطة تشريعية، والقوانين التى تصدرها الحكومة تلقي تحفظا من المؤسسات القضائية، ومهما قيل عن إستقلال قضائنا، فالعالم لا يستوعب كيف يحكم قاض على مئات المتهمين بالإعدام بعد يومين فقط من المحاكمة ودون أن يستمع لا للشهود ولا للدفاع عن المتهمين. ولذلك فقد تراجعت مكانتنا في دليل جودة المؤسسات، وحصلنا على درجة تقرب من المتوسط فيما يتعلق بحياد مؤسسات الدولة فيما تخذه من قرارات، فكانت درجتنا هى 3.74 من سبع درجات. ولاشك أن هذه مسألة يهتم بها المستثمرون المحليون والأجانب. لن أرهقكم بهذه المؤشرات، ولكن ربما سيتحسن وضعنا في المستقبل. أنتم توافقون معي على أن وضعنا في المستقبل سيتوقف على نوعية التعليم الذى نقدمه لأبنائنا ومستوي صحتهم، مكانتنا هي السابعة والتسعون من بين 144 دولة فيما يتعلق بجودة التعليم والرعاية الصحية، وهى تنخفض بدرجة أكبر بالنسبة للتعليم العالي الذى تواضع موقعنا فيه ليكون الحادى عشر بعد المائة من بين نفس عدد الدول. كما تنحدر كفاءة التوظيف لدينا فلا نحتل سوى المكانة المائة والأربعين، ولا يأتي بعدنا سوى أربع دول. أنتم لا تصدقون هذه المؤشرات، ولكن ماهي دلالة ما نشرته الصحف عن واقعة تسمم مئات المواطنين في محافظة الشرقية بسبب شربهم للماء أيا كان مصدر الماء الذى شربوه. لو كان هو ماء الحكومة فهذه جريمة سوء الخدمة الحكومية، ولو كان ماء الجراكن فهى جريمة ضعف الرقابة من جانب الحكومة. ألا يعد ذلك دليلا على ضعف قدرة مؤسساتنا الحكومية على تقديم خدمة أساسية للمواطنين وهى مياه الشرب. وما هو رأيكم فيما قاله سائقو المترو من أنهم جأروا بالشكوى من السماح بتسيير قطارات دون أن تكون مجهزة للتوقف السريع- بدون فرامل_ ما هو دلالة ذلك بالنسبة لثقافة العمل لدينا. *** التدهور الذى حدث فى مؤسساتنا لا يقتصر فقط على تلك الخدمات الحكومية التى تقدم لكم الماء والكهرباء وتشرف على تنظيم الطرق والمرور وتعني بنظافة الريف والمدن، ولكنه قاعدة عامة تنطبق علي كل المؤسسات بما في ذلك تلك المؤسسات التى تحمي نفسها من النقد، وتحتكر حق النقض بالنسبة لما يصدر بشأنها من قوانين بل لا تسمح دستوريا بأن يصدر قانون يخصها دون مشورتها. ومع ذلك فمن حقنا أن نتساءل هل تدير هذه المؤسسات عملها بالكفاءة التى ينتظرها منها المواطنون؟ إننا نلمس عدم رضاء عن أحكام يصدرها القضاء، وعن تجاهل لحقوق الإنسان في مراكز الشرطة كشفت عنه زيارات وكلاء النائب العام وتقارير صحف صديقة للحكومة، كما أننا لن نندهش إذا وقع حادث إرهابي آخر يذهب ضحية له رجال الشرطة أو القوات المسلحة ومعهم مواطنون أبرياء، حتى ولو كان تكرارا لأحداث مماثلة في نفس الموقع وبنفس الأسلوب. هل يمكن أن ينصلح هذا الوضع قريبا؟. طبعا هذا ليس بالمستحيل لو توافرت شروط الخروج منه. تقديم تعليم بجودة معقولة لملايين الطلاب، وتحسين أحوال الصحة، والإرتفاع بمهارات قوة العمل، وقيام المؤسسة التشريعية علي أساس قانون لا يقبل الحكم بالبطلان لمخالفته لأحكام الدستور. الوفاء بهذه الشروط يقتضى أولا التصدى أولا لتحديات إقتصادية. توفير تعليم لائق لحوالي ثمانية عشر ونصف مليون طالب مع زيادة سنوية في المواليد تتجاوز مليونين ونصف يقتضى إستثمارات هائلة تصل إلى خمسين مليار جنيه وتوفير الأراضى الصالحة لبناء عشرة آلاف مدرسة جديدة، وهذا يعنى مضاعفة الإنفاق على التعليم في مصر والذى يصل إلى حوالى أربع وخمسين مليار جنيه، على أن توجه هذه الزيادة ة فقط لبناء مدارس جديدة، وطبعا لابد من توفير مخصصات ضخمة أخرى للإرتفاع بمستوى تدريب العمالة. لاحظ أننا لم نتحدث عن نوعية التعليم ولا عن نوعية التدريب لأن هذا كله كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات الأخرى يقتضى توافر ثقافة جديدة تقوم على إحترام العمل والتشجيع على المبادرة وتنمية الفكر النقدى ألخ ما يعرفه كل من كتبوا عن قضية الإصلاح في مصر. وهذه هى الصعوبة الحقيقية. لن أقول أنه يستحيل التغلب على هذه الصعوبة، ولكن ما يسبب القلق حقا هو أن هذه القضايا غائبة عن الحوار العام في مصر، مع أنها هي قضيتنا الأساسية أيا كان نوع الحكومة التى تتولي زمام الأمور في بلدنا. توافر الإستثمارات صعب ولكن ربما يمكن التعامل معه، ولكن ماذا عن ثقافة العمل؟، ماذا عن المساءلة؟، وماذا عن الإلتزام بحكم القانون في عمل كافة مؤسسات الدولة؟. هذا كله يقتضى أن تكون هناك رؤية شاملة تسندها إرادة سياسية تستطيع الوقوف بحزم، ودونما قهر لأنماط المقاومة التى يمكن أن تواجه الإنتقال إلى الجدية في عمل أجهزة الدولة بما في ذلك الرغبة في الإستسهال في حل المشاكل بزيادة أعداد الطلاب في الكليات النظرية حلا لمشكلة الطلب على التعليم الجامعي مما يسهم في تفاقم مشكلة البطالة. *** المحزن حقيقة أن هذه الرؤية الشاملة غائبة عن مؤسسات الحكم. الرئيس لم يطرح برنامجا، ورئيس الوزراء مشغول بالمرور على كافة الأنحاء تتبعا لمشكلة هنا أو هناك والوزراء لا يختارون بناء على إمتلاكهم لرؤية لمواجهة القضايا التى ينبغي أن تنشغل بها وزاراتهم، وهم يعرفون أن بقاءهم في مناصبهم لا يتوقف على إتقانهم لعملهم. وفي غياب سلطة تشريعية قادرة ومعارضة ناضجة لا توجد رقابة على عمل الحكومة. وإذا كانت هناك ثمة تفكير جديد في حل مشاكل المجتمع فسرعان ما يتراجع صاحبه في مواجهة مقاومة من مجتمع هو أكثر مجتمعات العالم محافظة. وهكذا ستنجرف مصرنا الحبيبة إلى وضع نتمني فيه أن نلحق ببلاد عربية قفزت إلى مكانة مرتفعة تفوقنا بكثير لأنها توافرت لديها بعض عناصر القدرة التنافسية التى لم نعد اصلا نهتم بها.