ما أحوجنا اليوم إلى صوت العقل ليقرع الجرس منبهاً ومشدداً على أهمية الوعي بالخطر المحدق بالأمة نتيجة التشرذم والتفرق والاقتتال الطائفي والمذهبي ! لذا سعدت كثيراً بخطبة إمام الحرم المكي الشريف الشيخ صالح بن حميد والتي تنم عن روح يقظة واعية مدركة لحجم الخطر الناتج عن الانجراف وراء الصراعات الأهلية والحروب المذهبية في عالمنا العربي والإسلامي . وهو إذ يعي أهمية الكلمة وقوتها ومضاءها في التوعية والتهدئة وتوجيه المشاعر المجيشة الضالة إلى مسارها الصحيح ؛ يقول كلمة حق يروم بها ترشيد الوعي الجمعي وتنبيهه إلى الوقوف في وجه العدوان الظالم على وحدة الأمة؛ والذي يراد به أن تقع فريسة الضياع في الصراعات الداخلية والحروب الأهلية كما يقول الشيخ . ثم يضع مبضع تشخيصه وحكمته على الجرح النازف في سوريا ؛ واصفاً من يجر الأمة كلها لتكون وقوداً في حرب مدمرة لا نهاية لها:» بالأداة اللينة في مشروع التضليل الكبير لتكون إصابات ضاربة تحصد رقاب المؤمنين والأبرياء من المسلمين في مسلك دموي رهيب « . فما أجمل أن تصدع كلمة الحق وصوت الحكمة من جوار بيت الله الحرام -بمايمثله من مكانة في قلوب المسلمين كافة- معبرة عن موقف ديني وإنساني واعٍ ؛ يقطع الطريق على مثيري الفتن ومؤججي لظاها . في المقابل كثرت الأصوات النشاز المحملة بأتون الكراهية على المختلِف في المذهب مستدعية أحقادها من بطون التاريخ لتلصق التهم بإخوة وشركاء في الوطن والتراب ؛ وهي بذلك الجنون الطائفي تستهدف الوحدة الوطنية أول ما تستهدف . والمؤسف والخطير أن سموم الكراهية لم تتوقف فقط عند وسائل التواصل الاجتماعي المنفلتة من كل عقال ؛ بل وصلت إلى عدد غير قليل من المقالات الصحفية التي يتحتم الوعي بخطورتها على وطننا ووحدته ولحمته الوطنية ومايمكن أن تثيره من فتن تتحول بها الكراهية إلى فعل خطير على سلامة الوطن وأمنه ؛ لذا لا بد من منع نشر هذه المقالات وأن تدرك صحفنا حجم مسؤوليتها اليوم حتى لا يمر عبرها أي خطاب قد يستدعي كراهية أو يؤجج حقداً . المفارقة العجيبة أن المهووسين بالمؤامرة -والذين صدعوا مشهدنا بالتحذير من مؤامرات التغريب والقيام بغزوات الاحتساب - يتغافلون عن المؤامرة الكبرى لتقسيم بلادنا العربية وشرذمتها ؛ والرقص على أشلائها الممزقة بلظى الفتن المذهبية والحروب الأهلية . بل كثيرا ما يساهمون للأسف في التعبئة وتسعير المشاعر الطائفية على مواقع التواصل ؛ وهم بذلك يكونون كما وصفهم إمام الحرم المكي أداة طيعة في مشروع التضليل الكبير؛ من حيث يعلمون أو لا يعلمون . amal_zahid@hotmail.com