أكثر من 2600 شاب وشابة من مختلف المناطق السورية اختاروا أن يخاطروا بحياتهم متطوعين في «الدفاع المدني السوري» لإنقاذ حياة الآخرين من دون أي مقابل مادي، مركزين على الهدف الإنساني. نجحوا ولا يزالون في إنقاذ المئات من السوريين، وكانت صرختهم في منتصف الشهر الماضي مدوية في قاعة مجلس الأمن الدولي خلال جلسة البحث في استخدام «غاز الكلورين» بسوريا، إذ أبكوا أعضاءه المجتمعين، من خلال الفيديو الذين قاموا بإعداده لتوثيق استهداف طائرات نظام الرئيس السوري بشار الأسد المناطق المدنية في منطقة سرمين بإدلب السورية بالغاز السام وحالات اختناق عشرات الأطفال والنساء. وفي التعريف عن أنفسهم، يؤكّد عناصر «الدفاع المدني» العمل «بحيادية وإنسانية من دون تمييز، ولا ندين بالولاء لأي حزب أو جماعية سياسية... نعمل لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح والحد من الإصابات بين الناس والضرر على الممتلكات»، وهو ما يشدّد عليه عبد الرحمن الحسن، مسؤول الارتباط في «الدفاع المدني». وأكد أنّهم في أحيان كثيرة أنقذوا عناصر كانوا يقاتلون إلى جانب النظام، «لأنّ هدفنا إنساني بالدرجة الأولى وإنقاذ الروح البشرية بغض النظر عن انتماءاتها». ويوضح الحسن لـ«الشرق الأوسط» أنّ الشباب المتطوعين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاما، يخضعون لدورات تدريبية في تركيا عبر المنظمة العالمية للبحث والإنقاذ، بينما يتم «التدريب الأولي» في ثلاث مراكز موجودة في إدلب وحلب. لـ«الدفاع المدني» 104 مراكز موزعة في ثماني محافظات سورية يتم التنسيق في ما بينها بشكل مستمر، ولا سيما بعدما توحّدت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد اجتماعات جمعت قادة المحافظات لتحويله إلى مؤسسة عامة تحت راية واحدة هي «الدفاع المدني السوري»، ومنذ ذلك الحين بدأ التنسيق بشكل أكبر بين كل المراكز ومحاولة توزيع المساعدات بشكل متساوٍ عليها، بينما لا يزال هذا الأمر صعب التحقيق في المراكز الموجودة في دمشق وريفها وحمص، المحاصرة والتي لا يسمح النظام بدخول المساعدات إليها، وفق ما يشير إليه الحسن. وبينما الخطة المستقبلية تقضي بتوسيع دائرة وجود مراكز «الدفاع المدني» إلى 122، تبقى العوائق والمشكلات التي تواجه المسؤولين في «الدفاع المدني» والمتطوعين هي بضعف الإمكانات وقلةّ المساعدات التي تحول في أحيان كثيرة دون قدرة العناصر على القيام بواجباتهم كما يطمحون. ويؤكد عبد الرحمن أن المتطوعين يعملون منذ أكثر من سنتين من دون أي مردود مادي، مشيرا إلى أن الحكومة المؤقتة قدمت المساعدات في الأشهر الأولى، ثم عادت وتوقفت، وهو ما يحول دون القدرة على تأمين المتطلبات اللوجيستية اللازمة، ولا سيما الآليات والمعدات والمصاريف التشغيلية. وإضافة إلى الشباب المتطوعين الذي وجدوا في «الدفاع المدني» فرصة لتقديم المساعدات لأبناء وطنهم، فإنّ نواة هذه المؤسسة الإنسانية كانت قد تشكلّت بداية وبشكل أساسي في حلب في 15 مارس (آذار) 2013، من منشقين من «فوج الإطفاء السوري» كانوا قد رفضوا تعليمات قوات النظام بمواجهة المتظاهرين. وقد وصل عددهم اليوم إلى نحو 100 عنصر، معظمهم من حلب، إذ أعلن نحو 55 عنصرا في مركز واحد الانشقاق دفعة واحدة وبدأوا العمل مع «الدفاع المدني» من مركزهم، قبل أن يعود النظام ويستهدفهم بالقصف، ما اضطرهم إلى نقله إلى مكان آخره، كما عمد أحد العناصر المنشقين من «فوج الإطفاء» بإدلب إلى نقل سيارة من المركز معه. ويتعهد «الدفاع المدني» بأنه «وبمجرد أن ينتهي القتال، ستلتزم المنظمة بالشروع في مهمة إعادة بناء سوريا كأمة مستقرة ومزدهرة ومحبة للسلام والتي يمكن فيها تحقيق تطلعات الشعب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية». وأبرز مهام «الدفاع المدني» حاليا السعي لتقديم مختلف الخدمات الإنسانية والتي تساهم في إنقاذ المدنيين، أهمها التحذير من الهجمات والمخاطر، والبحث والإنقاذ في المناطق السكنية، وإخلاء السكان المدنيين من مناطق القتال التي فيها انتهاكات، وتوفير الخدمات الطبية - بما في ذلك الإسعافات الأولية - عند موقع الإصابة.، وإطفاء الحرائق، وإدارة ملاجئ الطوارئ. كذلك يقوم فريق «الدفاع المدني» بالكشف ووضع علامات على المناطق الخطرة كتلك التي يوجد فيها ذخائر غير منفجرة وتقديم المساعدة الطارئة في إعادة وحفظ النظام في المناطق المنكوبة، إضافة إلى تأمين المقابر في الحالات الطارئة، وإدارة تدابير التعويض الطارئ في حالات انقطاع الخدمات.