«تجربة صديقاتي المريرة أثناء دراستي في جامعة فيلادلفيا الأردنية وتعرضهن الدائم للتحرش اللفظي والجسدي، كانت وراء ولادة فكرة في ذهني للقيام بفعل من شأنه أن يخفف من هذه الظاهرة»، فكانت مبادرة «بترضاها لأختك» التي حولت فكرة الطالبة إسلام القيسي المحامية في ما بعد، إلى حقيقة على أرض الواقع، لتترجم كل ما كان يدور في داخلها طيلة سنوات الدراسة والتدريب في نقابة المحامين. وعلى رغم أن القيسي لم تجد ممولين للمبادرة، إلا أنها تحاول قدر الإمكان أن تستخدم وسائل غير مكلفة لإيصال رسالتها إلى الجمهور المستهدف، وهو طلاب المرحلة العليا في المدارس وطلاب الجامعات، من خلال المحاضرات والبوسترات والمؤتمرات الصحافية. وتقول إن خجل صديقاتها المقربات وعدم جرأتهن على مواجهة المجتمع جعلها تطلق هذه المبادرة وحيدة إلا من بعض أقاربها كشقيقها فؤاد الذي يعمل في فرنسا وأصدقائها الشباب، الذين ساهموا في توجيهها وتشجيعها على الاستمرار وتنفيذ فكرتها، بخاصة بعد أن تبرع فنان الغرافيك محمد الملكاوي بتجهيز «لوغو» للحملة. وتضيف أن ما تستهدفه من وراء المبادرة هو الكشف عن الانتهاكات التي تتعرض لها عاملات المنازل الوافدات من قبل أرباب العمل أو الجيران وعمال السوبرماركت، واللواتي لا يجدن إلا السكوت عن حقهن لكي لا يخسرن عملهن ويتم تسفيرهن، بعد أن تكبدن عناء السفر والعمل هرباً من الجوع والفقر الذين ينهشان عائلاتهن. وتأتي في الدرجة الثانية، بحسب القيسي، اليتيمات اللواتي يتجاوزن سن الـ18 سنة، بعد أن يخرجن من دور الأيتام وبحوزتهن مبلغ مالي لمساعدتهن على فتح مشروع صغير يعينهن على الحياة، مشيرة إلى أنهن غالباً ما يقعن فريسة شبان مستهترين يتحرشون بهن لإيهامهن باهتمام ورعاية وهمية سرعان ما تتحول إلى حال نصب كبرى للحصول على المبلغ المالي الذي بحوزتهن. وتشير إلى مسالة تأخذها المبادرة على محمل الجد وهي تعرض الفتيات الفقيرات الصغيرات السن للإغراء بالمال الفاحش مقابل استغلالهن من قبل أثرياء وسياح عرب، موضحة أن هذه المسألة بدأت تنتشر في عمان بعد أن أغلقت أبواب دمشق أمام مثل هذه السياحة بسبب الحروب المدمرة هناك. وكانت المبادرة الشبابية انطلقت نهاية آذار (مارس) الماضي تحت شعار «بترضاها لأختك» بمشاركة مجموعة شبابية تطوعية بهدف نشر الوعي في المجتمع لحماية المرأة من العنف والتحرش المعنوي والمادي الذي يمكن أن تتعرض إليه. وتقول القيسي أن الحملة الشبابية تسعى من خلال الحملات الإعلامية التي ترافقها إلى الحد من بعض السلوكيات غير الإيجابية التي تتعرض لها الفتاة، ونشر الثقافة التشريعية التي تحفظ للمرأة حقها في أن تعيش بأمان وهدوء في مجتمع يسوده القانون والنظام. ولفتت إلى أن الحملة تحاول أن تعطي صورة للشخص الذي يفكر بالاعتداء على المرأة في حال تعرض أخته أو زوجته أو والدته، للاعتداء ومدى الأذى النفسي والإنساني الذي قد يشمله. كما بينت القيسي أن الحملة تسعى إلى نشر ثقافة احترام المرأة سواء كانت تقف في الباص أم في السوق أو تعمل في المنازل وفي دور الأيتام وفي أي مكان تكون فيه، ومنحها كل حقوقها الإنسانية والقانونية والدينية. ويعاقب قانون العقوبات الأردني بموجب أحكام المادة (306) منه على أفعال التحرش الجنسي تحت باب الفعل المنافي للحياء، وفرض عقوبات الحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر أو بغرامة مالية. وبحسب الباحث في دراسات السلام والنزاعات محمود جميل الجندي، فإن أسباب التحرش تعود إلى عوامل عدة منها: الوضع الاقتصادي الصعب والفقر والبطالة وقلة الوعي الديني والثقافي للمتحرشين ولباس المتحرش بها والانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال. وكان تحقيق صحافي أجرته مجلة «ذا نيشن» الأميركية أخيراً أوضح أن التحرش الجنسي في الأردن وصل إلى مستويات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع انخراط كبير للمرأة في سوق العمل. وبحسب التحقيق، فإن «التحرش الجنسي في الأماكن العامة أصبح شائعاً، فالرجال في السيارات يحاولون التقاط النساء الماشيات على جانب الطريق، كما أن الكثير من النساء يتعرضن للتحرش من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عدا التحرش اللفظي والجسدي في الأماكن العامة».