غرابة التجربة التي جمعت الفلسطينية رولا سروجي والإسرائيلية آنيت شيلاخ أثارت حماسة فريق تلفزيوني إسرائيلي لملاحقتها ومعرفة تفاصيلها، فشرع بتسجيل مقاطع منها ورافق مراحل طويلة من تجربة العمل التي جمعت سيدتي أعمال تقف كل واحدة منهما في طرف متناقض ومتصارع مع الطرف الآخر، ما دفع الوثائقي إلى إطلاق عنوان معبر عن مضمون مادته التسجيلية: «شراكة مع عدو». عنوان يثير أسئلة منطقية من نوع: هل يمكن لمثل هذه الشراكة أن تقوم أصلاً؟ وهل بمستطاعها مقاومة ضغوط هائلة تتعرض لها من الجانبين المتصارعين: الإسرائيلي والفلسطيني، ناهيك عن التضاد الصارخ بين مواقف الشركاء أنفسهم؟ للإحاطة بكل هذه الأسئلة وليس البحث عن أجوبة عليها راح الوثائقي التلفزيوني يبحث في بداية العلاقة وكيف ظهرت فكرة الشراكة فعاد من أجل ذلك إلى الوراء (فلاش باك) وتوقف عند كلام الفلسطينية رولا سروجي بصفتها صاحبة المبادرة التي بدأت قبل أعوام. تقول: «بحكم عملي كصاحبة شركة في مجال الخدمات اللوجستية والإخراج الجمركي والشحن كنت التقي بآنيت في ميناء «أشدود» لكونها تقوم بالعمل ذاته في الطرف الإسرائيلي. لهذا اقترحت عليها يوماً فكرة التعاون والشراكة بيننا». الفكرة التجارية نبعت من الصعوبات التي تواجهها رولا بالدرجة الأولى، فالطرف الإسرائيلي يتشدد كثيراً في مراقبة البضائع الآتية إلى الضفة الغربية ورام الله التي تقيم بها، وتأخذ عمليات النقل وإخراج التصاريح والتفتيش وقتاً طويلاً يتجاوز الأشهر لنقل بضائع من الميناء إلى بعد خمسين كليومتراً، ما يتسبب في مشاكل ويعطل مشاريع تجارية وخدمية، الناس بأمس الحاجة إليها. فكرة المشروع سهلة تتضمن تقسيم العمل بين المنطقتين حيث تتولى الإسرائيلية تسهيل إخراج البضائع ونقلها من الميناء إلى الضفة الغربية وبالمقابل تعمل رولا الشيء ذاته عند تصدير البضائع الفلسطينية عبر الموانئ الإسرائيلية، وبذلك يمكن اختصار الوقت وتضليل العقبات البيروقراطية وتخفيف شدة الحذر عند موظفي الميناء. مع الشروع في تأسيس الشركة الخاصة والعمل بحماسة واضحة لإنجاحها، تظهر مواقف مشككة بقدرتها على الصمود نابعة في الأساس من مواقف سياسية ومن التجرية التاريخية المريرة بين الطرفين. فالفلسطينيون لا يثقون بالتجار الإسرائيليين ويعرفون بتجربتهم انحيازهم المطلق إلى دولتهم عند أول المنعطفات الحادة. بالمقابل يطغى الشك على تعامل الإسرائيلي مع الفلسطيني مع ثبات نظرته المسبقة والخوف من أعمال معادية ضده قائمة في كل التفاصيل. أما الرعب من احتمال نقل الأسلحة مع البضائع الداخلة والخارجة من المناطق الفلسطينية فيظل من أشد الموانع لأي تعاون وظيفي وتجاري بين الجانبين. تحت ذريعة «الأمن» وحماية البلد من «الإرهاب» يستغل الموظفون سلطتهم من أجل إيذاء الفلسطينيين وتعطيل حياتهم المعتمدة في شكل كبير على توصيل البضائع المستوردة من الخارج اليهم... ليس هذا فحسب فحتى عملية انتقال الناس بين المنطقتين تخضع لسياسة ممنهجة تعيق سوية حياة الفلسطيني. تسجيلات الوثائقي لتنقلات رولا من بيتها إلى مدارس أولادها وانتظارها الطويل على حاجز قلنديا تثبت ذلك وتوضح كم يأخذ «الاحتجاز» من وقتها الثمين وكم يستنزف من طاقتها التي تحتاجها لإنجاح مشروعها المشترك الذي ما أنفك يواجه مشاكل لا حصر لها، ومن بينها صعوبة إقناع أقرب الناس إليها بأهميته. التقارب بين الفلسطينية والإسرائيلية على المستوى العائلي أوصل أطفال رولا إلى منطقة لم يروها في حياتهم من قبل. لقد جاؤوا معها ومع والدهم لزيارة بيت آنيت الواقع ضمن «كيبوت» إسرائيلي مختلف أشد الاختلاف عن بيوت المناطق والمخيمات الفلسطينية الفقيرة ما يظهر الفرق الشاسع بين مستوى الحياة بين الطرفين، وعلى مستوى آخر ستزيد مشاكل العمل اللاحقة ومعوقات الجانب الإسرائيلي إلى إضعاف الصداقة العائلية وإلى توسيع الهوة بين المرأتين لتصل إلى حافة القطيعة. مشكلة الإسرائيلية أنها تصدق بالكامل مبررات موظفي الميناء وأجهزة أمنه، بخاصة حين يتعلق الأمر بالمخاوف من احتمال وجود أسلحة بين البضائع فتنحاز لحظتها إلى دولتها بدلاً من شركتها. وفي الطرف المقابل تشعر رولا بخذلان شريكتها لها وقلة حماستها إلى جانب تفهمها للضغوط التي تتعرض لها من قبل أصحاب البضائع الفلسطينيين وسائقي الشاحنات. توتر وتقاطع وصل إلى نهايته لولا حكمة رولا ومبادرة آنيت بزيارتها في رام الله لتتعرف عن قرب إلى حال «العدو». لقد قررتا وبعد مراجعة هادئة تحدثتا فيها إلى بعضهما وجهاً لوجه الاستمرار بالعمل وبتفهم أكبر لكل طرف من الشراكة المعقدة ليس بسبب السياسة والحروب فحسب بل ولأنهما تخوضان تجربة عمل تكاد تكون محصورة بالرجال فقط، فالموانئ لا تظهر بها النساء عادة باستثناء القويات منهن مثل رولا وآنيت والشراكات القلقة لا يقدم عليها كثر. ففي أي لحظة يمكن أن تنهار وتفشل وهذا ما لمح له الوثائقي حين سجل مكالمة مؤلمة عبر «سكايب» بين السيدتين عند اندلاع حرب غزة العام الفائت!