في دولة غنية، الحديث عن سعودة الوظائف حديث مضحك في أحسن أحواله. هل غاية الجهود التي بذلت في التعليم والابتعاث لعشرات السنوات، ومئات الملايين التي تم صرفها كان غايتها توظيف السعوديين، وبحكم قوة القانون لا الكفاءة، في القطاع الخاص بثلاثة آلاف ريال؟! لماذا نتحدث عن تحويل السعودي إلى موظف كل كفاءات حصوله على الوظيفة هو حكم القانون، بينما بإمكاننا تحويل كل سعودي إلى مالك مصنع؟ تتوفر للصناعة في المملكة كل مقومات النجاح، بحيث بحيث لا يبقى بعدها إلا الإرادة والرغبة الجادة في تحويل السعوديين إلى ملاك مصانع، متنوعة الحجم والتعقيد، من علاقات الملابس، إلى صناعة الرقائق الذكية. فالأراضي بمد البصر، والمتخصصون الذين يمكن أن يقدموا الاستشارات للمصانع يملؤون الجامعات، والثروة المالية تملأ باطن الأرض وبواطن البنوك. زد على ذلك السمعة الجيدة التي يحظى بها المنتج السعودي الحالي، وتوسط المملكة في خطوط الملاحة، وقربها من أسواق ضخمة واعدة كأفريقيا. إن مكة وحدها يمكن أن تتحول إلى منجم ذهب لتسويق المنتج السعودي بين دول العالم الإسلامي، فهي لطبيعتها الدينية جاذبة لصناع العالم الإسلامي وتجارة. فكيف لو انضاف لها منافع تجارية وصناعية لهم. والسعوديون بسبب أنهم السكان المحليين لمكة، سيكونون أكثر المستفيدين من عمليات ترويج منتجاتهم في سوق مكة الذي سيكون حينها بوابة أسواق العالم الإسلامي . الحديث هنا ليس عن أحلام، بل هو منطق عملي لا يحول بيننا وبينه سوى خيالنا الذي أجدب حتى لم يعد يرى في أبنائنا إلا موظفين يتقاضون رواتب في نهاية الشهر لا تسمن ولا تغني من جوع. ولأن هذه الرواتب كذلك، فهي تتحول إلى استهلاك يومي مبتذل، فحجمها لا يسمح لصاحبها بتفكير طويل المدى، فأي تفكير بعيد المدى يقوم على الادخار والاستثمار، ما يستدعي وجود فائض عن الحاجات اليومية، وهو ما لا يتوفر الآن في مثل هذه الرواتب التي نتحدث عنها. هذا النوع من المال قصير المدى يضر ولا ينفع، يفسد ولا يبني، ينمي الوهم ويقتل المبادرة. مشروع سعودة الوظائف، هو مشروع في حقيقته مشروع لتقزيم طموح السعوديين، الذين يمكن أن يتحولوا بسنوات معدودة إلى مركز صناعي في قلب العالم.