×
محافظة الحدود الشمالية

أمير الشمالية لولي العهد وولي ولي العهد: أنتم أهل لثقة القيادة

صورة الخبر

"ليس ثمّة ما هو أقل تحديدا، وأكثر تشتتا مما هي هوية كل واحد؛ ليس ثمة ما يصعب أن نحزره أكثر من وجهنا حين لا تكون موجودة مرآة تعكس صورته. إذا حاولت أن أتطلّع في ذاتي، معرضا نفسي للخطر، لا أعثر إلا على ليل، وضباب وهاوية، كما لو أن ضمير المتكلم المدفوع إلى أقصاه تحوّل إلى عكسه في حيادية الغُفل أو انفجر (هكذا، في الحلم) إلى أقنعة كثيرة لا قوام لها. ففي الواقع كي أتمكن أن أقول أنا؛ ينبغي أن أكون قد تعرفت إلى نفسي، وأُعجبت بها، واندهشت في هذه المعجزة الأولى والمطلقة التي هي الانعكاس المرآوي". بهذه الجمل يقدّم الكاتب الفرنسي، أستاذ تاريخ الفلسفة في جامعة السوربون، جان فرانسوا ماركيه كتابه: "مرايا الهوية – الأدب المسكون بالفلسفة"، وهو تقديم وموضوعات طرحت في هذا الكتاب كانت تعنّ في البال كلما رأيت انعكاس وجهي في المرآة من قبل، وما يمس النفس وقتها من عجب وامتنان. ولكن هذه المرة تذكرت الكتاب والكاتب حينما كنت على مدى ثلاثة أيام ضمن إحدى اللجان العاملة في مؤتمر عُقد الثلاثاء الماضي الـ21 من أبريل 2015 في مدينة أبها وكان يحمل عنوانًا مهما: "الهوية والأدب" بمشاركة باحثين وباحثات من داخل وخارج المملكة، قدموا خلاله ضمن عشر جلسات قرابة الأربعين بحثا تتناول مسألة الهوية وعلاقتها بالأدب بمختلف جوانبه الإبداعية ومن مختلف الزوايا والنظريات. وبعيدًا عن الجانب التنظيمي للملتقى الذي في حديث المشاركين والضيوف عنه إنصاف أكثر، فإن الأوراق التي طُرحت فيه ثرية ومتنوعة وتقدم مادة تُفيد الباحث والمطلع والمهتم في هذا الجانب. ما دفعني للربط برابط خفي بين الكاتب جان- فرانسوا ماركيه وكتابه الذي يبحث فيه عن هويته المشتتة في جانبين مهمين في حياته: الفلسفة والأدب، وبين هذا المؤتمر الذي يتقاطع معه في الحديث عن الهوية والأدب، هو ما لاحظته ولمسته من إعجاب واستحسان على وجوه الباحثين والباحثات المشاركين من خارج المملكة خاصة، وما سمعته منهم أثناء وبعد تجوّلهم في قرية المفتاحة الأثرية وسط مدينة أبها في نهاية فعاليات المؤتمر، فهناك تنقلوا بين المراسم المفتوحة واستمعوا لشروحات الرسامين فيها والتي يغلب على أعمالهم التأثر بطبيعة البيئة العسيرية، وشاهدوا عن قرب المباني الأثرية الغنية بالألوان والأشكال الهندسية التي تمتاز بها المنطقة، ومرّوا بمتحف الحضارات الموجود بالقرية، وببعض المحال التي تعرض مشغولات يدوية وأثرية ومقتنيات قديمة. عكست هذه الأشياء، بالإضافة لما شاهده الضيوف قبيل حفل افتتاح مؤتمر الهوية والأدب في معرض الصور والوثائق التي تمثل أرشيفا غنيا لتاريخ عسير؛ تصورًا جديدا لدى المشاركين عن المملكة العربية السعودية بالمجمل وعن منطقة عسير بالذات. وفي أحاديث جانبية مع باحثات مميزات قدمن من دولة الجزائر لم تُخف لي إحداهن أنها أتت لأبها تحمل تصورا مختلفا كلياً عما رأته من خلال التعامل الشخصي مع المنظمين للملتقى، أو من خلال اطلاعها على موروثات المنطقة وجديدها على حدّ سواء، وما لاحظته من شغف من أهل عسير بالفن والألوان والأدب وانعكاس ذلك في أشكال وألوان منازلهم وملابسهم، القديم منها بالذات، أو في كمية التنوع الأدبي والثقافي لإصدارات أدبائها. وأضافت تلك الضيفة القادمة من على ضفاف الأبيض المتوسط أنها لم تتوقع أن تجد لدى المرأة السعودية حراكا أدبيا أو ثقافيا، وأنها بزيارتها هذه تكتشف عوالم لم تتحمس يوما لاكتشافها لأنها لم تتوقع أن تجد فيها ما يغري بالسؤال أو الاكتشاف، وهو ما وعدت بأن تطلع عليه من قرب بعد جولتها هذه من خلال الأدب السعودي بشكل عام، وما قدمته المرأة السعودية بشكل خاص. وحينما سألتها عن رأيها في سبب قصور هذه الرؤية عما تزخر به بلادنا من نشاط نسائي في مختلف الفنون والمجالات الأدبية أو البحوث العلمية، وهل الإعلام السبب؟ أجابت: بل القصور منكن أنتن! هنا قفزت مقولة ماركيه لرأسي: "كي أتمكن أن أقول أنا، ينبغي أن أكون تعرفت إلى نفسي، وأُعجبت بها، واندهشت في هذه المعجزة الأولى والمطلقة التي هي الانعكاس المرآوي". جزء من هويتنا التي يجهلها الآخر عنا؛ نكتشف أحيانا أننا نحن في الأساس نجهلها، ولو أضفنا لقائمة مكونات الهوية التي استعرضها هذا المؤتمر، من مكان ولغة وتراث ودين وغيرها، لو أضفنا "المرأة" مكوّنا آخر استثنائيا باعتبارها أمرا مثير للجدل في هذا المجتمع من أصغر شأن لها وحتى أعظمه، لاكتشفنا أننا نجهله بالفعل بطريقة مزدوجة، فالمرأة تجهل ذاتها والمجتمع يجهلها، والأسوأ أن المرأة تتجاهل هذه الذات وما يكمن داخلها من إبداع وحياة منتجة بتصرفات تأتي كردود أفعال لعلاقة مضطربة مع المجتمع الذي بدوره يتجاهلها ويسعى لتهميشها وطمسها أو خلق التباس وإثارة قلق لأي ظهور لها. وبتهميش وتجاهل نصف المجتمع يصبح هذا المجتمع بالضرورة جاهلا بنفسه، وهذا الجهل أدعى لانعدام الإعجاب بالذات والدهشة بما فيها، وينقصه التعرف عليها في انعكاس مرآوي من خلال مكوناته، ومن ثم تكوّن صورة منقوصة لدى الآخر عن هويته.