حملت لنا الأخبار أن هناك تصريحا أو تلميحا بتجربة ماليزية في دمج التعليم، حيث هناك التعليم العالي والعام في وزارة واحدة. وفهمنا من هذه الأخبار أن وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية تدرس هذه التجربة حيث تحتاج إليها في حالتها الحالية بعد دمج التعليم العام بشقيه البنات والبنين مع التعليم العالي. وكون وزارة التعليم تدرس هذه التجربة أو غيرها من التجارب فهذا أمر مطلوب حيث الحكمة ضالة المؤمن هي له أنى وجدها. الخطورة ليست هنا.. الخطورة أن يتم استنساخ التجربة من ماليزيا أو من غيرها وتطبيقها في بلادنا. لا يمكن بأي حال من الأحوال أخذ تجربة من مكان وتطبيقها (بحذافيرها) في مكان آخر.. هذا أمر يجب التنبه إليه، وأستشهد هنا بتجربتين: الأولى ما ذكره الدكتور محمود سفر وزير الحج السابق ورئيس جامعة الخليج السابق والأكاديمي المعروف، في كتابه: (التنمية قضية)، حيث ذكر أن وفدا من إندونيسيا زار ألمانيا وأعجب بالتجربة الاقتصادية الموجودة هناك وطلب من الحكومة الألمانية أن يبعثوا لهم وفدا ألمانيا يبني لهم نظاما اقتصاديا على شاكلة النظام الألماني في إندونيسيا كي ترتقي إلى مصاف ألمانيا بعد تطبيق النظام المستنسخ.. وفعلاً كان لإندونيسيا ما طلبت ووصل الوفد الألماني إلى هناك وبنى النظام وطبقه، وبعد وقت من تطبيقه اتضح عدم ملاءمته للبيئة الغريبة التي نبت فيها النظام الألماني فضاع الوقت والجهد والمال وعاد الوفد الألماني يجر أذيال الخيبة والفشل. هكذا قال المصدر. التجربة الثانية هي في وزارة التربية والتعليم نفسها، فعندما تشرفت بالعمل فيها وكيلاً مساعدا للوزارة للدراسات والبحوث تم تكليفي ببناء نظام الاعتماد المدرسي الذي أسميناه: "التقويم الشامل للمدرسة" الذي نتج عنه إدارتان للبنين والبنات للتقويم الشامل وأثبت نجاحه بشهادة مديري التعليم إلا أن مشكلته أنه ظل داخل وزارة التعليم والمفروض أن يكون نواة لهيئة تقويم التعليم المنشأة حديثاً. في هذه التجربة عملنا مسحا شاملا لأنظمة الاعتماد والتفتيش والتقويم في العالم واستقر الأمر على اختيار تجربة OFSTED في إنجلترا وويلز.. وقمنا بتشكيل الفريق من جامعات المملكة ووزارة التربية واختير مفتش صاحبة الجلالة HMI السير جم روز للمساعدة. وعندما فندنا النظام وجدنا صدق مقولة الدكتور محمود سفر، واتضح لنا أن جزءا من النظام لا يمكن تطبيقه فحذفنا، وجزءا آخر يمكن تطبيقه فتبنيناه، وجزءا ثالثا يمكن تطبيقه مع تعديلات فكيّفناه وأضفناه. وهكذا فصّلنا نظاما سعوديا ينطبق على بيئتنا مع أخذ التجربة المتقدمة التي قررنا الاستفادة منها. هذه تجارب عملية بالشواهد حتى لا يقال إنني أتحدث تنظيرا، فأنا واحد من الذين يؤمنون ويكررون القول بأن النقد واجب لكن تقديم البديل أهم، حيث لا يمكن النقد دون إيجاد البديل وإلا أصبحنا مثل الجنرال الذي صاح برئيسه: "وجدتها.. وجدتها فقال رئيسه ما هي: قال نظرية بواسطتها نستطيع القضاء على غواصات العدو بشكل كامل.. قال له رئيسه ما هي؟ قال الجنرال: نغلي ماء المحيط فتخرج الغواصات التي لا يمكنها احتمال حرارة الغليان وعندها نقصفها"!! هذه نظرية صحيحة 100% لكن السؤال: هل نستطيع تطبيقها؟! بعض النقد والاقتراحات لا يقدم البديل وهنا يكون النقد غير واقعي وبالتالي يسقط ولا جدوى منه. ومن هنا يأتي اقتراحي لوزارة التعليم أن تستفيد من هذه التجارب الواقعية ولا تُعجب بنظام ناجح في بيئة غريبة عن بيئتنا ثم نطبقه ونكتشف بعد ضياع الوقت الطويل والجهد والمال أننا أمام تجربة مستوردة بالكامل وفاشلة.. الوقت سيكشف لنا ذلك بكل وضوح. أنا أحذر بما وقفت عليه من تجارب واضحة في رابعة النهار من استيراد تجربة ماليزيا أو غيرها من التجارب ثم نطبقها بحذافيرها في بلادنا. وزارة التعليم لا تعمل في نفق ضيق. مشكلتها أن المجتمع يتلقى تقريرا يوميا عن أدائها عن طريق الأبناء والبنات الذين يعودون يومياً من المدارس والجامعات، يكشفون مستوى عمل الوزارة بكل وضوح. ولهذا فكل التجارب تعرف نتائجها ومدى نجاحها. خلاصة القول: لا أعرف إن كنت هنا أذكّر أو أخبر الوزارة بهذه التجارب، فأنا لا أعرف الوزير ولا أستطيع الحكم على توجهاته وبرامجه وطريقته. لكنني متأكد بشكل لا يقبل الجدل إن نحن انتهجنا طريق اختيار تجارب من الخارج، مهما كان نجاحها، وطبقناها بحذافيرها في بلادنا، متأكد أن مصيرها الفشل. وأنا أقول لوزير التعليم إن الوقت كفيل بالشهادة، فلا قول بدون شواهد وأدلة وبراهين.