بينما كانت اسرائيل تقصف مواقع في سورية، ونظام الأسد يقصف في إدلب، ومصر تدرس توجيه ضربات في لبيبا، فيما الحملة الجوية مستمرة في اليمن، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يمازح الصحافيين في العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض. أما وزير خارجيته جون كيري فينام ويصحو على ذبذبات الملف النووي الايراني والصفقة التي يتطلع لإبرامها في أول تموز (يوليو) المقبل. لقاءات كيري في الأشهر الأخيرة كانت في معظمها مع وزير الخارجية الايراني جواد ظريف الذي اجتمع به أمس في نيويورك، وكأن البرنامج النووي الايراني وضبط ساعات اليورانيوم والمنشآت الايرانية باتت تختزل كل شؤون وشجون المنطقة بالنسبة الى الادارة الأميركية. هذه الاستراتيجية عرابها أوباما الذي أراد منذ اليوم الأول في الحكم التواصل مع إيران وخلق "توازن سني – شيعي" في المنطقة "يحفز الاستقرار" على حد قوله في مقابلات مع "بلومبرغ" و "نيو ريبابليك". استراتيجية تشبه الى حد بعيد "التوازن" الذي ارادته واشنطن بين عراق صدام حسين والنظام الايراني بتقوية احدهما حين يقوى الآخر، والدخول في صفقة "ايران كونترا" في عهد رونالد ريغان في الثمانينات، ثم تسليح النظام العراقي السابق في حربه ضد ايران. وكانت النتيجة حربا طويلة استنزفت البلدين، وأوصلت الى غزو الكويت، ثم إطاحة صدام، وفرض عقوبات صارمة على طهران يدفع ثمنها اليوم الشعب الايراني. أما "التوازن" الأوبامي، فهو حتى قبل حدوثه، يسير على وقع أربع حروب إقليمية وتوسع إيراني غير مسبوق من بيروت الى عدن، في مقابل إضمحلال تأثير واشنطن وحصر دورها في توفير السلاح، ورفع أو إبقاء العقوبات على دول المنطقة. الخلل الأساسي في حسابات أوباما هو في تغاضيها عن الصورة الإقليمية. فرغبة ادارته في الانسحاب من مشكلات المنطقة ومن حروب مكلفة خاضها جورج بوش، هيمنت على كل السياسات الأخرى. ففقدت واشنطن صدقيتها في الملعب السوري بعد أربع سنوات من المماطلة، وهي اليوم خارج سياق التأثير في تغييرات ميدانية في الشمال والجنوب السوريين، ولم تعين بعد خلفا لمبعوثها المستقيل دانيال روبنستاين. أما في اليمن، فعدا عن إرسال حاملات الطائرات والدعوة المتكررة الى حل سياسي، خسرت الادارة الأميركية موقع النفوذ في الضغط على حلفائها أو إبرام حل سياسي كانت أسهمت به في 2011. وفي ليبيا، حيث اختار أوباما إنجاز نصف المهمة هناك بتدخل عسكري لم يلحقه باستراتيجية لمنع تفريخ الميليشيات، فهناك تقصير أميركي واضح وعجز عن كبح اللاعبين الداخليين والخارجيين. رهان أوباما على صفقة نووية مع إيران قد يتوج باتفاق شامل هذا الصيف، لكن مصيره وتنفيذه معلقان بإجراءات الكونغرس وتركة الادارة الحالية للرئيس المقبل. فلا هيلاري كلينتون عن الديموقراطيين، ولا جيب بوش أو ماركو روبيو أو راند بول عن الجمهوريين، راغبون في الامساك بكرة ملتهبة في المنطقة في 2016، وسيلتفون لاستعادة استقرار نسبي وتوازن حقيقي يتعاطى مع الامتداد الايراني الذي يشكل التهديد الأكبر للمصالح الاميركية، وفق هنري كيسنجر وقائد القيادة الوسطى الجنرال جايمس ماتيس.