محمد مفتاح الفيتوري الشاعر السوداني - الذي رحل يوم الجمعة في المغرب الرباط عن عمر ناهز 79 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض -، ترك الدنيا، وترك إفريقيا قبل أن تشفى من أوجاعها وقبل أن يُشفى هو منها.. الفيتوري الذي حمل على عاتقه إفريقيا ومجاعاتها قال عن نفسه ذات يوم: "فقير أجل.. دميم دميم.. بلون الشتاء بلون الغيوم.. يسير فتسخر منه الوجوه .. وتسخر حتى وجوه الهموم.. فيحمل أحقاده في جنون.. ويحضن احزانه في ًحالم.. وفي قلبه وجوم.. ولكنه أبدا يقظات النجوم." إن إفريقيا في نصوص الفيتوري الشعرية تشكل فضاء ومشهدا أساسيا، ومحنة الإنسان الإفريقي وصراعه ضد العبودية والاستعمار وتوقه إلى التحرر تشكل أيضا موضوعا أساسيا في قصائده، واستطاع الفيتوري أن يثبت وجوده من خلال إيمانه بقارته السوداء ومبادىء سار عليها وتوظيفه للرموز بطريقة قصصية ساعيا أن يبرر للون الأسود منطقيته، فمن خلال البحث عن قصائده التى أحيانا تكون أقرب للنثر من الشعر لكن في طياتها تحمل رؤية وفكر شاعر عاش وعاصر الكثير من الأحداث والوقائع وأن يكون شاعرا يطبق ما يؤمن به، كما حمل الفيتوري على عاتقه القضية الفلسطينية وعاش آلامها وشارك الناس مشاعرهم فهو فلسطيني الهوى سوداني الهوية يقول في قصيدة طفل الحجارة: "ليس طفلا/ هكذا تولد في العصر اليهودي/ وتستغرق في الحلم أمامه/ عاريا إلا من القدس ومن زيتونه/ الأقصى وناقوسه القيامة/ شفقيا شفيقا كغمامة/ واحتفاليا كأكفان شهيد/ وفدائيا من الجرح البعيد" يشار إلى أن الفيتوري ولد في الإسكندرية بمصر حيث تعلم الابتدائية ثم انتقل إلى الثانوية في الأزهر بالقاهرة، وتابع تحصيله الجامعي في الأزهر وجامعة القاهرة. عمل الفيتوري في الصحافة محررا صحافيا لمجلة "آخر ساعة"، وترأس مجلات منها: "مجلة الإذاعة والتلفزيون"، ومجلة " الأسبوع الأدبية"، وشارك في إصدار مجلة "الديار"، وأسس دارا للنشر في بيروت عام1981. حصل الفيتورى على جوائز متعددة منها: "وسام الفاتح الليبي" و"الوسام الذهبي للعلوم والفنون والآداب" بالسودان. ومن أبرز أعماله الأدبية: "أغاني إفريقيا ( 1955)"، "عاشق من إفريقيا (1964)"، "اذكريني يا إفريقيا (1965)"، "أحزان إفريقيا (1966)"، "البطل والثورة والمشنقة (1968)"، "سقوط دبشليم (1969)"، "سولارا (مسرحية شعرية) (1970)"، "معزوفة درويش متجول (1971)"، "ثورة عمر المختار (1973)"، "أقوال شاهد إثبات"، "ابتسمي حتى تمر الخيل (1975)"، "عصفورة الدم (1983)"، "شرق الشمس... غرب القمر (1985)"، "يأتي العاشقون إليك (1989)"، "قوس الليل... قوس النهار (1994)، "أغصان الليل عليك"، "يوسف بن تاشفين (مسرحية) (1997)"، "الشاعر واللعبة (مسرحية) (1997)"، "نار في رماد الأشياء"، "عريان يرقص في الشمس (2005)".