لندن: شيماء بوعلي يعرض مقطع فيديو صورة لامرأة مسنة، تنحني محاولة لمس أصابع ظاهرة من أسفل باب. تتحدث إلى صوت شاب يأتي من الجانب الآخر. الشخص الموجود على الجانب الآخر هو ابنتها، يمرران لبعضهما البعض صورا أسفل الباب. وبسبب الجدار المقام بين منزليهما، تعتبر هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيعان من خلالها التواصل معا ورؤية بعضهما البعض. «تعيش الفتاة الصغيرة خلف الجدار بشكل غير قانوني لأنه عندما بني الجدار، وجدت نفسها فجأة تعيش في القدس. وهي لا تملك إقامة في القدس، بل في الضفة الغربية. ومن ثم، بسبب الطريقة التي بني بها الجدار، بحسب القانون الإسرائيلي، تعتبر مقيمة غير شرعية في منزلها».. هذا ما يشرحه الفنان والمخرج السينمائي، خالد جرار، الذي التقط مقطع الفيديو. قبل أكثر من عشرة أعوام، في عام 2002، إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بدأت الحكومة الإسرائيلية بناء جدار إسمنتي ارتفاعه ثمانية أمتار ليفصل الأراضي الفلسطينية عن إسرائيل. وكان دافعهم، مثلما أوضحوا، هو حماية شعبهم من الإرهابيين الفلسطينيين. وبحلول عام 2004، اعتبرت محكمة العدل الدولية هذا الجدار العازل، بأغلبية أربعة عشر صوتا مقابل صوت واحد، «مخالفا للقانون الدولي». بغض النظر عن هذا التصريح، فما زال الجدار موجودا، وكذلك نقاط التفتيش الواقعة على طوله، إنها تمثل مصدر إذلال وظلم وسيطرة مستمرة على الشعب الفلسطيني. بخلاف إحداث عرقلة رئيسة في المسارات المؤدية إلى المدارس والمنشآت الطبية. كان الجدار أيضا بمثابة عائق يحول دون استيراد السلع والوصول إلى المياه. يغير الجدار، الذي يتم بناؤه على نحو مستمر ضمن حدود الضفة الغربية، خارطة ملكية الأراضي والدخول إليها والسيطرة عليها. لقد فصل الجدار أسرا وقرى. اليوم، في عام 2013، على الرغم من المناشدات المستمرة ضده، فما زال قائما ويفصل مجتمعات عدة عن عملها وأسرها. ولكن هذا كله يعتبر صورة معممة جدا للقصة. إن جرار، من خلال معرضه الحالي المقام في صالة عرض «أيام» بوسط لندن، يتحدث عن القصص الأخرى الأكثر إنسانية.. قصص أسرة منفصلة وأناس جرأوا على اجتياز الجدار بشكل غير مشروع لمجرد الوصول لمكان عملهم. «المجتمع الدولي يتحدث فقط عندما يحقق الأمر مصلحته الاقتصادية. نحن نعلم هذا، لكن ما زال يتعين علينا قوله».. هذا ما قاله جرار، الفنان المقيم في رام الله، الذي تعتبر مجموعة أعماله واسعة النطاق، بمثابة انعكاس مباشر لتوثيقه المستمر لحياه أناس تأثروا بالجدار، لصحيفة «الشرق الأوسط»، في صالة عرض «أيام»، حيث يقام أول معرض مخصص لأعماله فقط في المدينة. يضم المعرض، الذي يحمل عنوان «ثقب في الجدار» مجموعة من الصور الفوتوغرافية ومقطع فيديو، إلى جانب عناصر مصنوعة من الإسمنت قام بتسويتها من الجدار نفسه. وفي محاولة لإحياء الشعور بالعرقلة الذي ولده الجدار، فلدى دخول صالة العرض البيضاء القديمة، يواجه الشخص مباشرة جدارا رماديا مزخرفا بخشونة وشكل فلسطين مبين فيه. يشرح قائلا: «نحن نرغب في أن يقرر الناس بأنفسهم ما إذا كانوا يجب أن يسيروا عبر الجدار أم حوله». وعلى غرار العناصر الإسمنتية الأخرى المعروضة، شيد الجدار أيضا باستخدام إسمنت من جانب رام الله من الجدار العازل. وهذا النموذج، الذي يمتد بطول صالة العرض، يعد رمزا للعملية التي يتكبدها من يجتازون الجدار العازل للوصول إلى وجهاتهم المقصودة يوميا. يشرح قائلا: «أمضيت خمسة أعوام حول الجدار، ألتقي الناس وأسمع قصصهم وأتعرف على طريقة تفكيرهم». كان أول أعمال جرار والذي أثمر عن هذا التوثيق هو فيلم مدته 13 دقيقة أنتج في عام 2009 بعنوان «رحلة 110»، والذي تتبع مسار الرجال والنساء الذين يسيرون عبر «نفق مجاري» للوصول إلى عملهم في القدس. ويتذكر قائلا: «كانت تلك هي المرة الأولى التي أذهب فيها هناك. كنت أتتبع سبع سيدات. بدا الأمر أشبه بكابوس خيال علمي يجري عبر هذه الأنفاق. تخلع حذاءك وتسير لمدة 20 دقيقة في ظلام تام إلى أن تبصر الضوء في نهاية النفق. لا تكون لديك أدنى فكرة عن الاتجاه الذي تسير فيه أو عن ماهية الشيء الذي تقف عليه». يتتبع الفيلم الروائي الطويل لجرار في عام 2012، الذي يحمل اسم «المتسللون»، مجموعة من الفلسطينيين في محاولاتهم اليومية التحرك عبر أو حول الحواجز بين الضفة الغربية والقدس. نال الفيلم ثلاث جوائز في العرض الأول له في مهرجان دبي السينمائي الدولي، من بينها جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما. هذه الأفلام، التي تظهر أشخاصا حقيقيين أصحاب خلفيات متعددة تواتيهم الجرأة على اجتياز الحدود سرا، الأمر الذي يعرضهم بسهولة للاعتقال أو القتل، تبعث شعورا بالإثارة. يخترق فيديو جرار الجدار لإنتاج شيء مبهج من قطعه الإسمنتية. تجسد تماثيله المميزة الحالية لكرة طائرة وكرة سلة وكرة قدم وغيرها من عناصر الرياضات الأخرى، الوحدة والمرح، الناتجة من شيء أصبح مصدرا للانقسام والدمار. يبين باقتناع: «نعم، إن الإثارة تكمن هنا. حينما أكون عند الجدار، ترتفع نسبة الأدرينالين لدي وأشعر بالذعر. ولكن إن لم أفعل ذلك، فمن الذي سيفعل؟! إذا كنا نحن الشعب الذي يعيش هناك متضررين من الجدار ولا نحرك ساكنا، فمن الذي سيفعل؟! علينا أن نفعل شيئا». وعلى الرغم من ذلك، فإن أفكار جرار أكبر بكثير من العناصر المرتبطة بالرياضات التي يعرضها في صالات العرض. إن فكرته تتمثل في التطلع إلى مستقبل من دون هذا الشيء البشع الذي يسيطر على حياة أسرته وأصدقائه وجيرانه، وهذا المستقبل يطالب الناس بالبدء في التفكير الآن. ويتساءل: «هذا الجدار لن يكون هناك للأبد، سوف ندمره. سوف يسقط يوما ما. لكن متى إذن؟!». ويضيف: «نحتاج للتفكير في هذا الكم الهائل من الإسمنت. ربما يمكننا أن نبني مستشفيات ومدارس. أحاول أن أظهر لأصدقائي وناسي أن الأمر محفوف بالمخاطر، لكننا نعيش في هذه الحياة وعلينا أن نجد حلولا، لتجاوز العقبات. نحتاج أيضا إلى تعلم الاتحاد، وأن نفعل شيئا معا». يستمر معرض «ثقب في الجدار» لخالد جرار بصالة عرض «أيام» في لندن حتى 8 أغسطس (آب).