الإرهاب حالة عالمية، وموجة تتغذى بكل الوسائل، وتهدد كل مكان. كانت السعودية أول من اكتوى بناره منذ بدايات «القاعدة»، فلا يمكن تسويق خطاب يتمظهر بالإسلام من دون ضرب «وسطية» السعودية ومنهجها القويم. منذ 12 أيار (مايو) 2003 طورت السعودية أدواتها، وتمكنت من محاصرة الإرهاب واقتناص خلاياه النائمة واستقراء نواياه السيئة، حتى كانت لها السطوة والحضور القوي الذي أظلت مهارته واشنطن ولندن وغيرهما. جريمة يزيد أبونيان ومعه نواف العنزي خسيسة في كل تفاصيلها، فهي استهدفت دورية أمنية مهمتها التجاوب مع الناس والاقتراب منهم ومساعدتهم، فلم يكن في الأمر مهارة أو ذكاء، بل يأس وتشفٍ وحقد. اختارا منطقة معزولة وساعة متأخرة فأطلقا النار غيلة على اثنين من العيون الساهرة كانا يتلقيان البلاغات وينجدان المحتاجين والعالقين والضائعين، أو يلاحقان اللصوص والمزعجين. هي جريمة تشابه في جبنها ما حدث في «الدالوة» والتعدي على أميركي ودنماركي ومهاجمة رجال أمن. في جميع هذه الجرائم لم يفلت أحد، ولم يطمئن مجرم وإن بلغ أطراف الحدود، ولم يتمدد الوقت في القبض على كل متورط ومن سانده ونصره وتعاطف معه حتى إن اقتصرت العملية على شخص أو اثنين أطلقا الرصاص بسرعة في سيارة مسروقة أو مزورة اللوحات في لحظة تخلو من المارة والشهود. كانت جريمة يزيد ونواف صعبة لتفاصيلها الزمنية والمكانية، لكن «الداخلية» التقطته من مخبأه خلال أيام معدودة، وتعرفت على الشريك الغامض بسرعة، فالإعلان جاء بعد جلسات تحقيق وتعقب وتحليل، ما يعني - افتراضاً - أن المجرم لم يستقر في مخبأه يوماً أو أكثر. هذه البراعة والسرعة والمهارة الفريدة هي شعار الطمأنينة والثقة، هي القدرة على مواجهة الإرهاب مهما تشظى وتمدد وتعددت طرائقه، حتى إن نفذه شخص مضطرب يتلقى تعليماته عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي. برهنت «الداخلية» على كفاءة رجالها، وتماسك منظومتها، ومهارة أدائها، وهي مهارة تجلت حتى في الحوادث الجنائية، فلا شيء ضد مجهول سواء أكان سارقاً أو إرهابياً. للمرة الأولى يدخل العميد بسام عطية في المؤتمر الصحافي مضيفاً صورة أخرى تتجاوز الوقائع والتفاصيل، إذ تناول التركيبة وطريقة التهيئة وإجراءات الاستهداف. كان حضوره دلالة على المعرفة الدقيقة بذهنيات الجماعات الإرهابية وطرق عملها، والاستيعاب الكامل لاستراتيجيتها، وهو ما مكّن «الداخلية» من اصطياد محاولات كثيرة قبل أن ينطلق رصاصها أو تتفجر أحزمتها. الحرب على الإرهاب مستمرة، لكن أهميتها الجديدة هي الشراكة الكاملة لكل من يتحرك على أرض السعودية في المساندة والإرشاد والإبلاغ، ومثلما استفاد الإرهاب من مواقع التواصل الاجتماعي، تحولت هذه المواقع إلى مصيدة للإرهابيين بعد أن أضحى الأمن قضية كل فرد. بقي أن الثقة واليقين هما السلاح الأول، قال اللواء منصور التركي إنه لا يمكن حرمان الناس من وسائل التواصل الاجتماعي ومنافعها لمجرد أن شرذمة استغلتها ووظفتها لجرائمها. ما يصنع المستقبل والتغيير ليس الحجب والإغلاق، بل المرونة المدعومة بالقدرة والقوة والحزم العاصف المنتزع لكل من حاول تخريباً وإفساداً.