انتهيت في المقال السابق الى أن الطائفية واحدة من أهم الركائز التي تعمل بها إيران وتؤججها بكل طريقة ممكنة وهي إن لم تظهر في لبنان بالشكل الذي ظهرت عليه في باقي الدول التي تعد الشيعة جزءا من مكوناتها فذلك لأن الشيعة في لبنان طائفة من ضمن ثماني عشرة طائفة أخرى متعايشة رغم ما بينها من فروقات ولذلك غلب عليها الطابع السياسي هناك ولكن ممثلها هناك هو الذي عمل على زرع الفتنة الطائفية بين العرب في مناطق أخرى واتكأت عليه إيران كثيراً في هذه المهمة حين بدأت تعمل على محاولات التأثير باسم الدين والمذهب . فصار مجرد ذكر اسم الطائفة المغايرة من قبل الأخرى يعد طائفية يجب الامتناع عنها ! ولهذا تظل بعض الأصوات والأقلام تنادي بنبذ الطائفية دون وضع حدود لتلك الطائفية فما هي؟ وما شكلها؟ وكيف نتعامل معها؟ أبالصمت التام وكأنها غير موجودة؟ أم بمناقشتها ورفض مواقفها التي لا ترتبط بطقوسها أو شعائرها الدينية؟ وأعني موقفها من الدولة التي تنتمي إليها، وموقفها من الوطنية والولاء للوطن حتى صار بعضهم ينادي بنبذ الفكر التكفيري والطائفي على أنهما شيء واحد في حين التكفير قد يقع من أبناء الطائفة نفسها ضد بعضهم بعضاً في ظل غياب الوعي عن جوهر الدين والتعامل مع أوامره ونواهيه بسطحية تفتقد القدرة على الربط بين تفاصيله التي تضمن إقامة حياة إنسانية تفاعلية وتعاونية نافعة وناجحة من أجل بناء الأوطان والإنسان. لا يجدي أبداً أن نقول : توقفوا عن بث الفكر التكفيري والطائفي ونربطهما بواو للعطف ثم نصمت عن بيان الفرق بينهما وبخاصة في هذا الوقت الذي تمر فيه البلاد في هذا الموقف السياسي الواضح لرفض السيطرة الإيرانية على اليمن التي شكلت به تهديداً لأمننا الداخلي. ذلك لأن الحرب التي قادتها بلادنا مع دول التحالف ضد منتهكي الشرعية في اليمن وهم الذين وراءهم ما وراءهم من أحلام إيرانية شريرة تلك الحرب من نتائجها كبح جماح الطائفية ومن يعمل على تأجيجها. والطائفية هي أيضاً التي جعلت بعض الأقلام السعودية تخرس ولا تحاول أن تعلق على الحدث من قريب أو بعيد سواء في الصحف أو في مواقع التواصل الاجتماعي وهو في الحقيقة صمت مريب ومزعج لأنه يشير إلى أمرين أحلاهما مر، الأول: أنه صمت الذي ترتعد أطرافه لأنه في حيرة من أمرة هل يقف بجانب وطنه الذي ينعم فيه بالأمن والأمان المعيشي الكامل؟ أم يقف مع حلم غزلوه في عقله ؟ والثاني: أنه صمت مدفوع الثمن كما كان الدفاع عن بعض الإرهابيين مدفوع الثمن، وبالتالي كيف له أن يعبر فمن دفع له ثمن الصمت لن يرأف بحاله كما يفعل معه وطنه الذي لن يتعرض له طالما استكان ولم يرفع سلاحاً في زقاق ما أو ارتكب جريمة ما ليعطي إيحاء ما . أليس صمتاً مريباً لا مبرر له سوى أن الولاء الأول هو لغير الوطن؟! حينما كانت القاعدة تضرب هنا وتفجر هناك داخل أرض الوطن كنا جميعاً ضدها نندد بأفعالها ونرفض فكرها التكفيري ونشد على يد الحكومة في القضاء عليها ونباهي بانتصار وزارة الداخلية في القضاء عليها. وحين قام بعض أراجوزات إيران محاولاتهم لنزع فتيل الشر صمتت أقلام كثيرة كانت هي الأولى بالانطلاق لإعلان رفضهم لذلك الوجه الآخر للإرهاب وهو الوجه الشيعي كما رفضنا جميعاً الإرهاب السني من قبل. هذا التباين في المواقف يكشف عمن يغذي الطائفية بشكل مؤثر يختلف بالتأكيد عن أي أسلوب ضعيف يمارسه رجل الشارع العادي وهو الأمر بين الطرفين ولكنه لا يؤاخذ كما يؤاخذ الرجل المؤثر بفكره وقلمه حين يصمت ولاء لحلم ما. إن كل ما يحدث خارج إيران وما يحدث فيها يجعلنا نتساءل: متى نرى ثورة إيرانية إنسانية متزنة تنتصر على ثورتها السابقة الدموية السلطوية التي سميت جورا وبهتانا «ثورة إسلامية»!. عضو هيئة التدريس في جامعة الدمام