أذكر ليلة تقابلت فيها مع المرحوم (غازي القصيبي) في منزل صديقنا المشترك (محمد بن زقر) أطال الله بعمره، فواجهني بسؤال مازح وهو يقول: هل تعتقد أنك (روبن هود) زمانك ؟! سألته: لماذا يا (وجه الخير) ؟! قال: لأنك تشرق وتغرب في كتاباتك، وتحكي عن مواقف حصلت لك لو أنني جمعتها كلها على بعضها لداخلني الشك بحصولها. وقبل أن أكمل الحوار لا بد من التوضيح لبعضكم عن (روبن هود) هذا، فهو شخصية خيالية عاش في القرون الوسطى بأوروبا، وكان ينهب الأثرياء لمساعدة الفقراء. وشخصيته متناقضة تماما مع شخصيتي فلا أنا (بطل ولا بطال)، وعمري كله ما نهبت أحدا، ولا حتى ساعدت أحدا، إنني فقط مشغول بنفسي عن من سواي، وأغني على ليلاي طوال الوقت، (99%) من مواضيعي تعكس ضعفي وانكساري وقلة حيلتي ولا أقول سذاجتي، وقليل من الناس هم من تواتيهم الشجاعة والصراحة ليطرحوها للعلن أمام الأنظار مثلما أفعل ــ ولا أدري هل هذه تعتبر خيابة مني أم تياسة ؟! ــ. ارجع للحوار مع الدكتور وسألته: هل تعتقد أنني (أفبرك) مواضيعي ؟! تراجع قائلا: لا، ولكن كيف يسمح لك وقتك أن تخوض في كل تلك التجارب ثم تحكي بها بالتفاصيل ؟!، واتبع كلامه مبتسما: أليس هناك وقت مستقطع في حياتك لكي تلهو وتنام وتدخل الحمام بعيدا عن الناس ؟! أجبته: مع الأسف يا دكتور إنك نفيت (الفبركة) في كتاباتي مع أنها مهمة جدا، وهي على فكرة تختلف عن الأكاذيب، فليس هناك واقعة كنت طرفا فيها إلا وهي حقيقية، غير أنني أشذبها لزوم مراقبة النشر، وأنت تدري عن ماهية المراقبة، ولو أنه سمح لي وكتبت بصدق على المكشوف لكان بدون أي شك قد يقام علي (الحد) بعيدا حتى عن الشهود، فالقضاة يعتبرون الاعتراف هو سيد الأدلة. عندها قهقه بصوت مرتفع وتجاوبت بدوري مع قهقهاته بقهقهات أعلى منها، وأذكر أن أبا عبد الرحمن المرحوم (عبد الله نور) لامني قديما عندما كنت أكتب كلمة قهقهات، وقال: من المفروض أن تكتبها هكذا (كهكهات)، سمعت منه تصويبته تلك، ولم أأخذ بها لأنني أسير على خطى مفردات ومبادئ الضفادع. أعود إلى غازي وقلت له: إنني أزيد على تلك الحوادث أو المواقف في مقالاتي ببعض البهارات والرتوش لزوم الكتابة اليومية التي لا ترحم، ومن أجل أن لا أثقل على القارئ، ولكنني مع ذلك لا أكذب ولا أتجمّل. ثم سألته سؤالا مفاجئا: هل ما أوردته أنت في رواياتك هي أحداث حقيقية ؟! تململ قليلا ثم قال: كأني بك يا مشعل تريد أن تقلب الطاولة علي وتقصيني بالضربة القاضية ؟! قلت له: معاذ الله، ولكن ما عندي مانع أن تفوز أنت علي بالنقاط كرمال الأخ محمد، فروحي من هذه الناحية رياضية.. والحمد لله أن مضيفنا فاجأنا بطلب الذهاب إلى مائدة الطعام، وتغير الموضوع وأصبح حديثنا كله عن الأسماك وأروع طبخاتها، وكنت طوال الوقت صامتا، وعندما وقفنا عند المغاسل، قلت لغازي: الآن انتصرت أنت علي بالضربة القاضية. (فكهكه) رحمه الله، ولكن لا شك أنه رجل من الصعب أن يتكرر .