حينما نسافر في مهمة عمل أو غيرها نشتاق إلى أطفالنا ونحِنُّ إليهم. حتى إننا لا نتخيل كيف للإنسان ذي القدرات الطبيعية أن يقاوم الشوق والحنين لفلذات كبده. وهل لدى كل الناس قدرات خارقة. "أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض". بل إن هناك أناسا ما يزالون يبكون ويحنون وتشتاق أرواحهم إلى أولادهم الذين توفاهم الله من سنوات طويلة. في لحظات التجلي أقول إن الدنيا لا تستحق كل هذا العناء والترحال والانشغال، طالما الثمن هو لحظات أنسٍ فاخرة تذهب ولا تعود. لكن إيقاع الحياة الصاخب ما يلبث أن يعيدنا إلى الدوامة مجددا، فننسى.. وحينما نصحو ذات يوم نجد نهر الحياة قد جف، والزهور قد ماتت، والشمس شارفت على المغيب. لا أرغب في إثارة العاطفة لدى شعب عاطفي بامتياز، فقط أود القول إنه لا بد لنا من إعادة ترتيب علاقتنا بهؤلاء الملايين من البشر الوافدين إلينا. الذين يعملون ويعيشون بيننا. إنهم بشر مثلكم. عاطفيون مثلكم. لديهم أطفال مثل أكثركم. يحبونهم كما تحبون أولادكم، ويشتاقون كما تشتاقون. حين تتعاملون معهم يجب أن تدركوا ذلك. هؤلاء جاؤوكم تدفعهم الحاجة. تدفعهم الفاقة والفقر. هؤلاء مثلكم. ولولا الحاجة لما جاؤوا إليكم. والأيام دول. فكما غرّب أجدادنا وشرقوا بحثا عن لقمة العيش. غرّب هؤلاء وشرّقوا. ومن يضمن المستقبل؟! لذلك، حينما يكملون المدة النظامية لديكم امنحوهم إجازاتهم و"جوازاتهم" وتذاكر سفرهم، واصطحبوهم إلى المطار، فهناك من ينتظرهم ويحترق ويبكي ويعد الأيام والليالي للقائهم. ليس أسوأ من أن تلوي ذراع هؤلاء المساكين بالإغراء بالمال، وتمنحهم زيادة في الراتب كي تؤخر سفرهم، ويمكثوا لديك وقتا أطول، على حساب أطفال صغار هناك في الضفة المقابلة، لا ذنب لهم. إطلاقا لا ذنب لهم. هل تتخيل أن تعيش ثلاث سنوات كاملة دون أن ترى أبناءك؟ يا لقسوة بعض البشر!