×
محافظة المنطقة الشرقية

إستقالة الرئيس التنفيذي لشركة الخـزف السعودية

صورة الخبر

يستضيف باليه دوتوكيو في معرضه (عند حافة العالم) وبين الفجوات بين عوالم الفن القيادية فنانين صدامين بحق، مثل الفنانة آيريس فان هيربين، وهي مصممة أزياء هولندية من مواليد عام 1984، درست فن تصميم الأزياء في معهد آرتس، وقضت فترة تدريب مع مصمم الأزياء الشهير ألكساندر ماكوين في لندن، وأيضاً مع كلودي جونقسترا في أمستردام. ولقد ميزها استخدامها للتكنولوجيا الرقمية في تصميماتها الفنية، ولقد فتحت باباً واسعاً في عالم الموضة وغامرت في عوالم لم يسبق اقتحامها حين لجأت لاستخدام مواد متنوعة لانتاج الثياب التي تبدعها وذلك مثل الراتنج، والمعادن، والشعر، والجلود أو الزجاج، وذلك لخلق فساتين معقدة المواصفات وبسماكة غريبة، ولاتكتفي آيريس بذلك بل تمضي في اكتشافاتها للإمكانات الإبداعية التي تتيحها العلوم وعوالمها الغريبة، حريصة طوال الوقت على الابتعاد عن النظر للفستان بصفته مجرد رداء لكسوة الجسد، فيبدو الجسد البشري في تصاميمها متجلياً بإبداعاته وقد تم تحويره وحمله بعيداً إلى عالم سحري حيث التكنولوجيا والطبيعة يحتضن واحدهما الآخر في انسجام وتناغم، وحيث تفقد أجسادنا الهشاشة المتأصلة فيها وتبدو وقد تم التسامي بها لهيئة مابعد إنسانية، هيئة تتجاوز إنسانيتها الهشة، وإن تصميمات إيريس هي عوالم غرائبية بالغة التجريد وتحدث صدمة لدى المشاهد، حيث تجبره على إعادة التفكير في مفهوم الموضة والثياب واحتمالات الجسد البشري كحامل للفن، وذلك بما توظفه الفنانة من مواد غير مسبوق استعمالها في تصاميم الثياب، وبما تحمله من كثافة تركيبية ذات سماكة تحول الجسد في كسوته لمنحوتة فنية، وبما تعتمده في تشكيلاتها التي تستعيرها من التركيبات العضوية، وبالنتيجة تقودنا إيريس لكون جديد مبتكر، حيث تتماهى الحواجز والحدود بين العلوم والفن والطبيعة، بل وتبدو تلك الحواجز غامضة بل و غائمة. ويدهشنا معرض عند حافة العالم بجمعه لفنانين ليس فقط من جنسيات مختلفة بل والأهم من مختلف الأعمار، ولايجمعهم إلا التطرف في انتاجهم، التطرف الذي هو مثل مباغتة للمخيلة البشرية يتحداها لكي تتجاوز قوالبها وتخترق لعوالم غير مكتشفة، حيث وصلت الاكتشافات الجغرافية لحافتها يأتي الآن تحدي الاكتشاف داخل المخيلة البشرية، حيث تكمن مجرات وكواكب تتجاوز كل مخيلة، ومن ضمن أولئك الفنانين يأتي الهولندي ثيو يانسن، من مواليد 1948 بمدينة لاهاي حيث لايزال يعمل هناك، ولقد أمضى ثيو ما يزيد على العشرين سنة متكرساً لدراسة وتركيب كائنات خاصة به ذاتية الحركة ومستقلة، والتي اسماها (مخلوقات الشاطيء) أو بالأحرى (وحوش الشاطيء) والتي تلاحق بصمت عميق المتجولين على ذلك الشاطىء، فلقد اعتاد يانسن كل صيف أن يحول شاطئ شيفينينغن إلى مختبر لتركيب مخترعاته الفنية، فيقوم باختراع مخلوقات غامضة ومذهلة وبالغة الضخامة، يبنيها من لاشيء ويقوم بنشرها في الهواء الطلق مواجهة لهجمة البحر، ولايتردد أن ينظر إليها كنوع جديد من أنواع الحياة، مخلوقات من عالم باطني يشبه العوالم المنسية بداخلنا، العوالم التي تتفجر منها أفدح إبداعاتنا، وهذه المخلوقات قادمة من لامكان ومن لاشيء غير بقايا عالمنا المتطور وما تلقيه الطبيعة في طريق الفنان، هي مخلوقات من العوادم، والتي ورغم عدميتها وربما بسبب عدميتها تقود لوجود بالغ الحيوية، مخلوقات من مواد تبدو للوهلة الأولى غيرمتجانسة لكنها تخلق تجانساً يتحدى ركودنا، مخلوقات مبنية بحبكة جهنمية من أنابيب العزل الكهربائي، وبعض قضبان الخيزران، والمشابك وأشرعة الداكرون، والتي تمضي تتحرك مع الريح، وإن ذلك الجنس المسمى وحوش الشاطيء هو بحق جنس مستقل عن الأجناس الموجودة على الأرض، وهذا الجنس يتطور وفقاً لمبادئ التطور والتحول الجيني، مما يشكل تحديا للتقسيمات المقبولة عموما بين الطبيعي والاصطناعي، وبين العضوي والميكانيكي، وينجح يانسن بمخلوقاته العجيبة أن يرسم شجرة عائلة معقدة وخاصة بذلك الجنس غير المسبوق. وإن يانس ليرفض ويتحدى بكائناته مواصفاتنا البشرية المعروفة عبرالتاريخ، مؤكداً أن كائناته تلك تملك سببها الوجيه للوجود، ومبادئها التطورية وآلياتها الخاصة بها، والتي تتجاوز مخترعها الذي هربها من عالم العدم وجلبها للوجود، بل وتتحدى الذي يقوم بنشرها في معارض تجوب العالم، مخلوقات الشاطىء لاتزيد على كائنات بسيطة لكنها تنقلنا للهائل واللامحدود فينا، تقف أمامها وتكاد تلمس كل ذلك الذي خانك التعبير عنه، وكل ذلك الذي لم يخطر لك لمسه داخلك، تدور مع تلك الأشرعة وتلك الحراشف الصناعية والتي رغم صلابتها تبدو أقرب للشفافية، لأنها بالنتيجة لاتزيد على مرآة لدواخل المتلقي، مرآة تحرض الجرأة لكشف المتواري في الوعي، في النور الذي جئنا منه والحاوي لما لا يمكن احتواؤه. مخلوقات الشاطىء تقول لك كلمة واحدة: أقْدِمْ. ويخيل إليك أنك قد رأيت ما يكفي من تجاوزات في فجوات الخلق بالعالم، لكن تأتي للفنان تشارلي لومندو، والذي ينقلنا بلا مقدمات لمادة فنية جديدة هي الشَعر البشري، ولومندو من مواليد عام 1986 يعيش ويعمل بباريس، ويتناول في أعماله الشعر ككسوة موازية للملابس، وهو معروف بأنه قد بنى تصاميمه على كل ما هو صادم بل وفاحش الغرابة وربما مقرف ومتطرف لكن وفي نفس الوقت يحقق جمالاً لايضاهى في غرابته المذهلة. فهو يستوحي تصميمات الشعر من الموضوعات التي تبدو لأول وهلة غريبة وبعيدة عن مجال تصفيف الشعر، يستوحيها من قاع البحر، الوحوش الأسطورية، والمعالم التاريخية. يقول انه يقدم قطعاً فنية تحول المرأة إلى مخلوق مذهل. ولقد تعاون الفنان مع شخصيات شهيرة مثل فناني الاستعراض والرقص وبالذات مع أيقونة البوب ليدي غاغا شاركت تسريحاته في المشهد المسرحي وأضافت له أبعاداً غرائبية عميقة. ويعتمد لومندو على فلسفة إخفاء وجه وهوية الموديل الذي يصمم شعره أو شعرها، حيث يتم التركيز على المواد الغريبة التي تقوم منها تسريحاته، يبرزها بصفتها المنحوتات الحقيقية والتي تموه الجسد وتغير هويته. فهو يستخدم الجسد البشري كمانيكان، كحامل للمنحوتة التي تقوم بإضفاء هويتها على ذلك الجسد وتحوله لمخلوق جديد، ويعد لوموند مبدعاً يبجل الإبداع، ويقوم بلاهوداة بتحدي الحدود المعروفة لتسريح الشعر، يوسع تلك الحدود وينقلها لآفاق تتجاوز المفاهيم العتيقة والتي هي أشبه بقيود على المخيلة، إذ يتناول لوموندو قمة الرأس البشري ويبدأ التعيير من تلك الجمة المهوشة، يحولها لمادة لمنحوتاته، فهو بحق يحول الشعر البشري لمادة مثلها مثل الحديد والبرونز والأسلاك بل والألوان التي يلجأ لها غيره من الفنانين المعروفين في عالم الفن التقليدي. تغادر القاعة التي تعرض منحوتاته البشرية تلك وقد تبدلت نظرتك للفن عموماً بل ولأطرافك ولمحتويات جسدك، إذ كل مافينا يصلح لإنتاج الإبداع، من أخمص الرأس لأطراف الأظافر. وهذه واحدة من أهم نقاط قوى معرض (عند حافة العالم)، والذي يبدو للوهلة الأولى طريفاً، لكن لايلبث أن يوقفك ويحرك عجلة الوعي داخلك ويدفع حدود مخيلتك التقيلدية.