-اْختـَبَأ هذا الموضوع بين أوراق كثيرة قبل اليوم العالمي للإذاعة الذي يكون في 13 فبراير من كل عام، وتم تخصيص هذا اليوم حديثاً جداً من قبل اليونسكو فهي قد أعلنته في 3 نوفمبر من عام 2011 فحسب، ومكثت أبحث عنه دون جدوى إلى أن عثرت عليه في غير المكان الذي توقعته فيه. ولعل الحديث عن الإذاعة بشكل عام والراديو بشكل خاص وما يرافق ذلك من ذكريات وصور وفوائد وغيرها، أقول لعل الحديث عن هذه الوسيلة الإعلامية هو حديث قديم / جديد. فأول ما يخطر على البال هو (الإذاعة المدرسية) والبرامج المتنوعة التي تقدمها والمسابقات التي تطرح من خلالها في المراحل الدراسية (إلاّ أيش أخبار الإذاعة المدرسية في هذه المراحل، هذه الأيام!)، الإجابة: لا إذاعة. كنا في إذاعة المدرسة نعد ونقدم برامج وفقرات منوعة ومفيدة وطريفة، وكانت مرتعاً خصباً لصقل المواهب الشابة في مختلف الميول والاتجاهات بما لا يخفى على الكثير ممن عاصر زمنها. وأذكر من بين طرائف الإذاعة المدرسية أن أحد المعلمين أصدر أمراً (قراقوشيا)، أنه مَن لم يقدم فقرة للإذاعة لليوم الفلاني من طلاب الصف الفلاني، سَيُحْرَمون من الخروج (للفسحة) طول اليوم، ولن يسمح لهم حتى لقضاء الحاجة، وقد فعلها مع أحد الفصول وذلك في المرحلة المتوسطة في منتصف السبعينيات!! والحمد لله أنني لست من ذلك الصف، فقد كنت مواظباً على مد الإذاعة بالمواد الإذاعية، لا، الغذائية، أما الراديو، فنبدأ الحديث عنه بطرفة عامة معروفة ومتداولة في الخليج، وهي أن أحدهم أراد أن يشتري جهاز (راديو) في الخمسينيات الميلادية الماضية، فاشترط على البائع أن الراديو (لازم يجيب) حضيري بو عزيز المطرب العراقي الشعبي المعروف، (ولازم يغني): (سلّم عليّه بطرف عينه وحاجبه) وإلا فلن يشتري الراديو، فما كان من البائع إلا أن أكّدَ له ذلك، وتقول الطرفة: إن المشتري ذهب إلى منزله وحاول أن يسمع (حضيري بو عزيز) لكنه لم يأت، فلما هَمَّ بالخروج لإعادة الراديو إلى البائع حاول المحاولة الأخيرة، وإذا بالمطرب العراقي يصدح في الراديو، عندها، احتضن جهازه، واحتفظ به!. لقد كان الراديو – وما زال – هو الوسيلة الفاعلة الحية التي تمدّ بالأخبار والبرامج الرزينة الرصينة قبل دخول البرامج الباهتة وكانت الأخبار الواردة منه، هي مصدر الثقة والاعتماد في نقل الأخبار والسهرات والبرامج وتنافس التلفاز في الكثير من طرحها. وقد أختلفُ مع البعض في اقتصار الراديو في الوقت الحاضر على السيارة فهو ما زال الرفيق في السفر، وفي الاستراحة والمقهى وغيره ولم يفقد بعد بريقه ودوره، وما زلت أحمل جهاز راديو صغيرا من إحدى (الماركات) المعروفة والقوية في سفري وحين تتعب عيوني من القراءة، يكون على بطني وأنا مُسْتـَلق على السرير أتصفح محطاته، كما يفعل الكثير في ذلك، وأتذكر أننا كنا نراسل عدداً من المحطات الإذاعية وبرامجها، كمحطة هيئة الإذاعة البريطانية (هنا لندن) والمجلة التي تحمل العنوان نفسه، وإهداءها مجاناً، وبرامجها العديدة وبخاصة برنامج (ندوة المستمعين) الشهير، وبرنامج (من كل قُطْر أغنية) وما يتضمن من فقرة عن (التعارف) والهوايات والمراسلات وغيرها. وكيف إن أحدنا كان يطير من الفرح حينما يُذكر اسمه في أحد هذه البرامج حتى لو كان ردّ البرنامج اعتذاراً عن مشاركته. المهم أن يكون اسمه قد تم ذِكْرُهُ، فنهرع في اليوم التالي إلى بعضنا لنتحدث عنه، وكذلك (إذاعة قَطَر) مع بداية انطلاقها في بداية السبعينيات، وكيف كنا نطلب منها تزويدنا بالتقويم القطري الذي تشتهر بإصداره دولة قطر؟. وقبل أن يفلت زمام الموضوع إلى نهايته أود أن أبين أن ثمة مصالحة خفية تقوم بها الإذاعة – أي إذاعة – بين موضوعات وأخبار الصحيفة وأخبار وموضوعات التلفزيون والوسائل الأخرى. فهذه الوسائل – في رأيي – إذا ما أرادت أن تتفرد أو تختلف فيما بينها. فإن الإذاعة تقوم باحتضانها جميعاً – فيما تتضمنه وتحتويه – وتصالح بينهم، وتمدّ كل جهة بما يلزمها من مواد، ودونك ما يملأ العديد من الصحف من أخبار وطرائف خفيفة منقولة من الإذاعة. أو من التلفزيون الذي نقلها من الإذاعة، فاليوم العالمي للإذاعة هو في الواقع يوم لكل الوسائل الإعلامية السمعية والبصرية المقروءة، والمكتوبة. ولا بأس أن أختم الموضوع بهذه الطرفة، ففي نهاية السبعينيات الميلادية قمت بمراسلة إحدى الإذاعات الخليجية التي كنت أستمع إلى برامجها، وكان فحوى الرسالة عن ديانة سميرة توفيق وأبو بكر سالم ومن هي زوجة عبدالحليم حافظ؟ فكان ردّ الإذاعة: يا أخ محمد، عليك بالاستمتاع بفن هؤلاء، ودع حياتهم الشخصية لهم. وفي السطر الأخير، تبقى الإذاعة هي الكتاب الثقافي المعرفي المسموع الذي لا غنى عنه حتى مع وجود ما ينافسها. شاعر وكاتب وعضو مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي، والمدير الإداري