×
محافظة مكة المكرمة

إعلان إلحاقي من ساب للتكافل بخصوص تطورات مطالبة شركة انمائية للإستثمار والتطوير العقاري والسياحي

صورة الخبر

تعلم الإنسان الرسم قبل الكتابة واخترع القلم قبل حروف الهجاء.. تعلم الرسم منذ ملايين السنين على الصخور وجدران الكهوف، في حين لم تخترع الكتابة إلا زمن الحضارة السومرية قبل ثلاثة آلاف عام. اخترع القلم من خلال استعمال أصابع يديه (ثم العصا والإزميل) يغمسها في دماء الحيوانات أو ينقش بها على الصخور قبل ابتكار الأبجديات المعروفة بوقت طويل... وهذه الحقيقة تثبت أن "الرسم" موهبة فطرية ووسيلة تعبير تلقائية سبقت الكتابة وتسطير الكلام.. فجميع الأطفال يمكنهم الرسم والتعبير بالألوان، في حين قد لا ينجح الطالب الجامعي في التعبير عن نفسه في نصف صفحة فقط.. لهذا السبب أصبح الرسم وسيلة معتمده في علم النفس لتحليل المشاعر والعواطف وفهم الخفايا والدوافع. أصبح الرسم خصوصاً قبل سن المدرسة الطريقة الوحيدة لذلك بسبب عجز الأطفال عن التعبير كتابياً أو شفهياً.. فمن خلال الرسم يمكن للطبيب المتدرب (كما شاهدنا في المسلسلات والأفلام البوليسية) الكشف عن وجود معتدين تسببوا في وصول الطفل لهذه الحالة.. ومن خلال رصد الرجل المتوحش في الصورة، أو السيارة الغريبة في الرسمة، أو السوط الطويل الذي يظهر في كل لوحة يمكن استنتاج طبيعة الحدث ومدى تأثيره على الطفل.. يمكن للأسنان البارزة أن تشي بوجود غضب مكبوت، والملامح الشيطانية بكره شخص قريب حاول الاعتداء عليه.. أما حين يَرسم رجلاً يضرب امرأة أو طفلاً فهذه إشارة إلى عيشه في ظل عنف أسري أو أب قاسٍ وأترك لك تخمين ماذا يعني رسم رجل دون ملابسه الداخلية.!! والحقيقة هي أن رسومات الأطفال لا تكشف فقط عن معاناتهم؛ بل وعن مستوى ذكائهم في المستقبل (فالأكثر ذكاء يقدم رسومات أفضل تعبيراً وتوازناً من أقرانه كما اتضح منذ عام 1920).. وآخر دراسة أعرفها أجراها الدكتور روزلند آردن في جامعة "لندن كوليج" على 7700 توأم وأثبتت أن رسومات الأطفال في سن الرابعة تؤكد مستوى ذكائهم حتى سن الرابعة عشرة (ونشرت نتائج الدراسة في 18 أغسطس2014 في The journal Psychological Science) أما في أمريكا فقد اعترفت الجمعيات الطبية منذ عقد السبعينات بما يسمى "العلاج الفني" أو art therapy وأصبح له اليوم أطباء متخصصون يمكنهم ليس فقط تحليل رسومات الأطفال بل وعلاج الكبار من خلال إطلاق العنان لمشاعرهم، والتعبير عنها بواسطة الرسم. وهذه الحقيقة تذكرني بما يعرف بعلم الخطاطة أو"الجرافولجي" الذي يحلل شخصية المرء من طريقته في الكتابة.. فرغم أن الرسم سبق الكتابة، إلا أن لكل إنسان طريقته الخاصة في (رسم الحروف) تعبر عن شخصيته الحقيقية.. ومن عجائب هذا العلم أن أصحاب المهن المشتركة توجد في خطوطهم صفات مشتركة (كالخط المشوش الذي يشترك فيه جميع الأطباء).. ويمكن القول إن الإنسان العفوي تكون نهايات الكلمات لديه متآكلة ودوائر الحروف صغيرة ومطموسة (بحيث لا تفرق بين الراء والواو).. أمَّا إن اتسعت دوائر الحروف فيدل ذلك على الصبر والتأني والميل للوضوح.. أمَّا حين يكتب حروفاً مثل الصاد والطاء بشكل مثلث وحاد فهذا دليل على حدة الأخلاق وعدم الاعتراف بالحلول الوسط.. أمَّا الإنسان المتملق (أو حتى أنا وأنت حين نقدم معروضاً) فيبالغ في تحسين خطه وتكون الحروف لديه ذات انحناءات جميلة ومتوازنة... وقس على هذا كثيراً. على أي حال؛ نعود لموضوعنا الأساسي ونختصر الفكرة في 17 كلمة: شجع طفلك على رسم ما يجول بخاطره.. وتنبه جيداً لمواطن الغرابة أو الشذوذ فيها.. ثم سَلْه عن تفسيرها.