كما كان متوقعا أعلنت هيلاري كلينتون عن إطلاق حملتها الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة، وذلك عن الحزب الديمقراطي، ومن المتوقع أن تكون وزيرة الخارجية السابقة والسيناتورة عن ولاية نيويورك والسيدة الأولى السابقة هي المرشح الوحيد عن الحزب الحاكم الآن. وتوصف هيلاري كلينتون بأنها أشهر مرشح للمنصب يأتي من خارج المنصب الرئيسي، وتواجه هيلاري كلينتون مجموعة من المرشحين «الغاضبين» من الحزب الجمهوري يريدون الثأر من الرئيس باراك أوباما ويحولون خسارة حزبهم لمرتين متتاليتين في الانتخابات الرئاسية إلى سبب للتجديد. الناخب الأميركي يمل بشكل دائم ولا يؤمن بالاستمرارية والتجديد لنفس الحزب لأكثر من فترتين متلاحقتين، وهذا بحد ذاته سيشكل عائقا كبيرا أمام فرص هيلاري كلينتون في الفوز، ولكن هناك وجهة نظر مهمة وجديرة بالتمعن وهي أن ذهنية الناخب الأميركي والرأي العام الأميركي باتت جاهزا لانتخاب امرأة في المنصب السياسي الأعلى في البلاد مثلها مثل غيرها من دول العالم الصناعي الأول، الذي تجاوز هذا «التحدي» السياسي الاجتماعي منذ زمن وبنجاح لافت. الناخب الأميركي يعتقد بعد أن انتخب أول رئيس كاثوليكي (جون كيندي في الستينات من القرن الماضي) ثم حاليا باراك أوباما كأول رئيس أميركي من أصول أفريقية، وبذلك تخلص من العقدة الأزلية القديمة، يعتقد أنه جاهز لأول امرأة ترشح نفسها وتفوز، ومن ثم يأتي باقي الأقليات كيهودي ومن أصول لاتينية أيضا. ولا تزال الشؤون الاقتصادية والقضايا الاجتماعية هي التحدي الرئيسي الذي سيواجه كل مرشح في أميركا، وخصوصا مع «التملل» العظيم الحاصل لدى الناخبين الأميركيين من كل شيء له علاقة بالشأن الخارجي، واعتقادهم أنهم دفعوا أثمانا باهظة سواء أكان ذلك في المحصلة المالية أم البشرية نتاج حروب خاضتها الإدارات الرئاسية السابقة، كانت حروبا، كما وصفت، «متسرعة وغير حكيمة». فاليوم بالتالي أصبح الناخب الأميركي لا يثق ولا يحب الدخول في أي نوع من القضايا الخارجية، ويفضل أن تتبع حكومته أسلوب «دعوهم يحلوا مشاكلهم بأنفسهم»، ولكن التحديات الاقتصادية فيها شأن «خارجي»، فاليوم البطالة وتحدياتها مرتبطة بتحرير الاقتصاد والاستثمار الخارجي، وتحسين العلاقات مع دول العالم ومواجهة أوروبا والصين وروسيا واللعب الحار البارد المتغير على جيوب مختلفة من خريطة العالم بصورة عسكرية وسياسية، على الأغلب ما تكون دوما نتائجه اقتصادية، وهو الذي ينعكس على سياسات «عمالية» في الداخل الأميركي تدعو لتيسير الهجرة من الدول «الأخرى»، وهذه مسألة في منتهى السخونة والحدة بالنسبة للناخب الأميركي، وهي دائما ما تقسم المجتمع نصفين بين مؤيدين ورافضين. المشهد الانتخابي الأميركي ليس بالبساطة المتوقعة، فهناك قضايا محلية «جديدة» وغير مسبوقة ولا علاقة لها البتة بالشأن الخارجي هذه المرة، ولكن في كل الأحوال ستكون هناك قيادة جديدة في البيت الأبيض قادرة على التأكيد على العلاقة مع إسرائيل ومع إيران، وعلى أوضاع النفط وعلى العلاقات مع الصين وروسيا، ولعل هذه الملفات سيكون لها أثر عظيم ومباشر على شؤون منطقة الشرق الأوسط بشكل أو بآخر كما جرت عليه العادة. هناك وجه جديد آت لإدارة أمور البيت الأبيض والغموض على الأرجح سيكون سيد الموقف.