ما فعله جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، هو بالتأكيد ما كان يحلم أن يفعله الكثير من أسلافه في الوكالة طوال العقود القليلة الماضية، وهو هدم النظام الحالي الذي تتبعه الاستخبارات وإعادة بنائه من جديد. وجاءت أوامر إعادة الهيكلة في مذكرة بعث بها برينان في 6 مارس (آذار) إلى موظفي الاستخبارات، تحمل عنوان «الخطة المستقبلية لوكالتنا». كُتبت المذكرة بأسلوب هادئ أشبه بأسلوب كليات إدارة الأعمال، ولم تنل الكثير من اهتمام وسائل الإعلام، ولكن الرسالة كانت واضحة وصريحة، وهي: الهيكل الإداري الحالي للوكالة مترهل، وقديم، ولا يتناسب مع عالم يعيش فوق صفيح ساخن. وتساءل برينان خلال حديث تم خلال الشهر الماضي مع مراسلين صحافيين: «ما هي أوجه الخلل التي تحتاج للإصلاح؟ يخالجني شعور بأن المسؤولين التنفيذيين لشركة (كوداك) في التسعينات كانوا يطرحون على أنفسهم السؤال نفسه، ولكن من المؤكد أن اللحظة قد تجاوزتهم». وبرينان محق في كلامه، فقد انحلت ثقافة وكالة الاستخبارات المركزية. ويحضرني هنا بطل أحدث رواية قرأتها وهي «ذا دايركتور»، الذي كان يتدبر، في أول يوم له في العمل، في إمكانية تفجير مقر الوكالة الشهير في لانغلي وتحويله إلى مدينة ملاهي، لكنه اكتفى بإزالة تمثال مؤسس الوكالة، ويليام دونوفان «بيل العنيف»، من البهو. مع ذلك هناك أجزاء في خطة برينان تدفعني للشعور بالقلق، ففي محاولته لبناء نظام عمل أكثر فعالية ويتضمن إشرافًا إداريًّا أفضل، قد يؤدي هذا إلى زيادة الأعباء البيروقراطية. وعلى الرغم من حصافة خطته القاضية بدمج محللي الاستخبارات والعملاء في عشرة «مراكز مهمات»، قد تسفر تلك الخطة عن تقويض عمل المحللين، الذي يعتمد على الاستقلالية التي تحثهم على طرح تساؤلات عن مدى سلامة الأداء في العمليات الاستخباراتية. ويقال إن موظفي الاستخبارات المركزية يشعرون بالتوتر، فهناك «الكثير من الانتظار والترقب» حسبما يقول مدير سابق آخر، فتلك القوة العاملة التي جبلت على تخريب أي محاولة للتغيير قد يخالجها آمال في اجتياز هذه المحاولة، بالصبر على برينان، والابتهال للسماء بأن يلغي من سيشغل المنصب بعده في غضون أقل من عامين، هذه الخطة. وتهدف خطة إعادة الهيكلة إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، دعا إليها مديرون ونواب سابقون تحاورت معهم وقالوا لي إنهم عملوا على تجربة أفكار مشابهة عندما كانوا في مناصبهم، ولكنهم لم يمضوا في تنفيذها إلى المدى الذي يسعى برينان للوصول إليه. وأول خطوة كبيرة في مخطط برينان هي إنشاء مراكز مهمات تحل مكان الأقسام الحالية الموزعة على أساس جغرافي، والنموذج الذي سيعتمد عليه هو مركز مكافحة الإرهاب الذي أظهر أن تجميع عدد مختلف من الاختصاصات تحت سقف واحد يؤدي إلى رفع كفاءة عمليات الاستهداف، ودقة التحليلات، في الوقت نفسه. كذلك قرر برينان تعيين عشرة مديرين مساعدين لإدارة هذه المراكز على أمل أن يتمكنوا من البدء في عملهم بحلول أكتوبر (تشرين الأول)، لكن «مقر القيادة» بالنسبة لضباط الاستخبارات سيظل في مكانه في إدارة العمليات، وإدارة التحليل، على التوالي، على الرغم من إعراب برينان عن شكواه خلال الشهر الماضي من «استحواذ هاتين الإدارتين على المعلومات دون مشاركتها مع بقية الأفرع»، في وصف يوضح حرصه على عدم استخدام كلمات قاسية. طوال العقود الماضية رسخت تلك الإدارات لنظام عمل مقاوم للتغيير يحكمه تفكير طغى عليه استئثار كل فرع في الاستخبارات بجانب من العمل لا يسمح للأفرع الأخرى بالتدخل فيه. ما يدفعني إلى الشعور بالقلق هو أن مراكز المهمات، باعتبارها كيانًا بيروقراطيًّا جديدًا، ستعني إضافة المزيد من الأعباء الإدارية، وعلى الرغم من معقولية اقتراح يدعو لاستحداث منصب مدير تنفيذي وإداري يمتلك صلاحية قوية تمكنه من الإشراف على الأنشطة اليومية، تميل البيروقراطية الخفية إلى النمو في الظلام مثل الفطريات. حذارِ! فعندما يشغل فريق إداري جديد يمتلك سلطات كبيرة مناصب في بناء تنظيمي سيتداعى هذا البناء تحت وطأة هذه السلطات. الخطوة الثانية المهمة في مخطط برينان هي استحداث إدارة للابتكار الرقمي، وعلى الرغم من أن هذه التسمية تبدو كما لو كانت معضلة تقنية، فإنها فكرة جيدة؛ فهي تهدف ببساطة إلى تعزيز إمكانيات مركز معلومات العمليات، الذي ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره مركزًا ناجحًا، بدرجة أكبر بكثير مما هي عليه الآن. ويرتبط كل جانب من جوانب العمل الاستخباراتي، بما فيه العمليات السرية، واستقطاب العملاء، وحماية الغطاء السري للضباط، بتقنيات المعلومات. ويقول مايكل هايدن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية إنه لأسباب أمنية «كان يطلب من الموظفين نسيان أنهم ينتمون لعالم رقمي بمجرد دخولهم إلى مقر العمل». وحان الآن وقت تغيير هذا الوضع. أما الخطوة الإصلاحية الأخيرة، التي يعتزم برينان اتخاذها، فتتعلق بإدارة شؤون الأفراد، حيث يقترح إنشاء ما يصفه بجامعة «سي آي إيه» جديدة، فضلاً عن إجراء بعض التحسينات، فالهدف هو تقييم وتطوير المواهب بطريقة تتسم بالكفاءة كما هو الحال في المؤسسة العسكرية عبر كلياتها، ومراكز تدريبها، ونظام الترقيات. وهناك مبعث قلق أخير حول هذه الخطة الحساسة بصفة عامة، وهو يتعلق بمفهوم برينان الخاص بنموذج المدير، فبالنسبة له المديرون النموذجيون هم عبارة عن معاونين يديرون مكاتب في وزارة الخارجية، أو قادة مقاتلون يشرفون على القوات الإقليمية التابعة للبنتاغون. * خدمة «واشنطن بوست»