جميعنا تفاءل خيراً بإقرار نظام التأمين على المركبات منذ سنين خلت، وتفاءلنا أكثر عندما بدأت الإدارة العامة للمرور في تطبيق الوثيقة الموحَّدة للتأمين الإلزامي على المركبات، وذلك بالتنسيق مع وزارة المالية ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي. ومع كل ما ذُكر من تطورات على مستوى عملية التأمين فإن شركات التأمين - للأسف - تحوَّلت إلى مشاريع ربحية بحتة، وبدأت تبتز المواطن بشكل مخيف، مستغلة إلزام صاحب المركبة بالتأمين؛ لأنه لا يستطيع أن يبيع أو يشتري أي سيارة ما لم يكن مؤمِّناً عليها. لدرجة أن بعض الشركات رفعت أسعارها حتى وصلت إلى ألفَيْ ريال! وقد يواصل السعر ارتفاعه إن تُرك الحبل لهذه الشركات على الغارب! والسؤال الذي يطرح نفسه: مَن يشرّع لهذه الشركات رفع الأسعار بهذا الشكل المستفز، طالما أنها مرتبطة بمؤسسة النقد، وهي جهة حكومية، وتتبع وزارة المالية؟ فالأسعار بدأت ترتفع بشكل عشوائي، وكل شركة لها سياسة في هذا الأمر؛ ما يشي بأن مؤسسة النقد بعيدة كل البُعد عن موضوع رفع الأسعار، ولا دخل لها بذلك؛ وهو ما يقودنا للسؤال المنطقي الآخر: كيف لهذه الشركات أن ترفع في أسعارها بدون علم مؤسسة النقد، وهي الجهة المشرعة لها؟ وما دور الإدارة العامة للمرور في هذا الخصوص؟ وسأنتقل في تناولي للموضوع إلى جانب آخر؛ أرى أنه على درجة كبيرة من الأهمية، وهو يخص آلية التأمين، وهي الأساس الذي يجب أن يكون مصادَقاً عليه من الجهة المشرعة للتأمين، وهي هنا مؤسسة النقد، التي يبدو للأسف - أنها سلَّمت الأمر برمته لهذه الشركات؛ لكي تضع ما يناسبها من آليات وقوانين، وفرض الرسوم التي توفر لها الربح دون النظر إلى الإضرار بمصالح المواطن ومَن يعول! فحين بدأت تلك الشركات بمزاولة عملها مع بدء إقرار نظام التأمين كان التأمين على الرخصة نوعَيْن (شامل وضد الغير)؛ وبالتالي تدخل جميع المركبات التي يقودها المؤمِّن، سواء كان يملكها أو لا يملكها، ضمن نطاق التأمين الشامل بحيث يعوَّض الطرفان، وإن كان ضد الغير يعوَّض الطرف المتضرِّر فقط. وللأسف، جرى استغلالها من قِبل البعض بطريقة خاطئة، ووصلت ببعضهم إلى تبني حوادث تقع من قِبل الأبناء والأصدقاء مستغلاً تأمينه على الرخصة؛ ما حدا بشركات التأمين إلى أن تلغي التأمين على الرخصة، وتستبدله بما أسمته التأمين على المركبة، وهو المعمول به حالياً، وصِفته أن يكون لكل سيارة تأمين مستقل بها، وهو على نوعين: (شامل)، ويعني أن التعويض في حالة الحادث يشمل إصلاح أو تعويض الطرفين، المتضرر وصاحب الوثيقة. بينما النوع الآخر - وهو المسمى بالتأمين على المركبة ضد الغير - يشمل إصلاح السيارة الأخرى المتضررة، دون سيارة صاحب الوثيقة. وأرى أن الحل الذي لجأت إليه شركات التأمين لم يكن منصفاً، ولم يكن حلاً بقدر ما كان تحايلاً للخلوص من القيود التي كانت تجعل من شركة التأمين ملزمة بالحصول على ربح معقول. ولشرح ذلك أقول: طالما كان الخلل في نظام التأمين على الرخصة أنه يغطي أي سيارة يقودها المؤمِّن، سواء كان يملكها أم لا، فالمفروض أن يصحَّح الوضع بحيث يظل التأمين على الرخصة، ولكن يغطي فقط السيارات التي يملكها المؤمِّن. وبذلك نُحدُّ من التلاعب والتحايل. ولكن وجدت شركات التأمين فرصة سانحة أمامها لكي تضمن لنفسها الأرباح مضاعفة؛ ففرضت تأميناً مستقلاً لكل سيارة. وليت الأمر توقف عند هذا الحد؛ إذ بدأت تمارس أسلوب الابتزاز بكل ما تعنيه هذه الكلمة؛ فمن هم دون الواحد والعشرين لهم تسعيرة مضاعفة، تصل إلى تسعمائة ريال، ومن هم أعلى من هذه السن يصل التأمين إلى سبعمائة ريال. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استمرت في فرض الرسوم العالية؛ فقفز التأمين إلى أسعار خيالية كما أسلفتُ، تجاوز في بعضها الألف وخمسمائة ريال، وهو مرشح للزيادة إن تُرك موضوع تقدير الأسعار لهذه الشركات. فمن يوقف هذا الابتزاز؟ وهل المرور ومؤسسة النقد توافقان على هذا الأمر، أم أن دورهما يتوقف عند إفساح المجال لهذه الشركات بمزاولة عملها؟ وعلى الجانب الآخر، ورغم الزيادات المبالَغ فيها، تجد الخدمة المقدَّمة من قِبل غالبية شركات الـتأمين سيئة للغاية، لدرجة أن بعض الشركات تمارِس عملها من خلال أكشاك، أو ما يشبه المكتب، وخصوصاً في المدن غير الرئيسة؛ فالأمر بالنسبة لهم لا يعدو طاولة وجهاز حاسب وفاكساً وطابعة في آن واحد، وانتهى الأمر! ولا بأس أن تقف في الشارع تنتظر أو تجلس على شبه كرسي، أو تظل واقفاً، رغم ما تدفعه من مبالغ طائلة مقابل لا شيء من الخدمات! بل إن الموظفين العاملين في كثير من مكاتب التأمين يشعرونك بأنهم متجملون عليك بهذه الخدمة. ووصل الاستهتار بهذه الشركات إلى درجة تكليف العميل في حالة استحقاقه لتعويض مالي من جراء حادث وقع عليه، بتكليفه بالسفر إلى إحدى المدن الكبرى لتحصيل التعويض المقرر له. وقد يذهب المسكين ويكتشف أن هناك توقيعاً لم يُستكمل بعد، أو أن هناك خطأً مطبعياً، وليس أمامه إلا النكوص والعودة من حيث أتى، وتصحيح الخطأ الذي لا ذنب له به! أليس حرياً بهذه الشركات وهي تتقاضى هذه المبالغ الكبيرة أن تلتزم باحترام العميل، وتسليمه تعويضه بشيك مصدَّق باسمه قابل للصرف من أي بنك، بدلاً من أن يعمل لديها معقّباً، لا لشيء سوى أنه يطالب بحقه الذي دفعه مسبقاً لهذه الشركة وأمثالها؛ لكي تعمل وتجمع الأرباح.. فلماذا يعامَل بهذا الشكل القاسي؟ وما الذي يلزم المواطن بأن يسافر من أجل الحصول على تعويض لشركة تعمل بالملايين، واكتفت بفتح (كشك) يمثلها في مدينة ما، من أجل تحصيل الأموال، وما لبثت أن تمارس مثل هذه التصرفات الشائنة؟! حقيقة، يجب أن يعاد النظر بشكل جدي في الطريقة التي تعمل بها شركات التأمين على المركبات؛ فهناك من الأخطاء والتجاوزات التي تصدر منها ما الله به عليم، وهناك من التلاعب بالأسعار ما لا يمكن السكوت عليه.. ويجب أن يعاد العمل بنظام التأمين على الرخصة، ولكن بشرط أن يشمل السيارات التي يملكها الشخص المؤمِّن فقط، ويجب أن لا يتعدى مبلغ التأمين الثلاثمائة ريال للسيارة الأولى، وما زاد على ذلك من السيارات يضاف عليه مائتا ريال. وبذلك نكون منصفين؛ فلا ضرر ولا ضرار. وبالنسبة لمن هم دون سن الواحد والعشرين فيجب أن يكون التأمين بأربعمائة ريال لسيارة واحدة، وما زاد على ذلك يزيد المبلغ مائتَيْ ريال. وفي حال ملاحظة كثرة الحوادث والمخالفات على قائد مركبة يُنظر في رفع التأمين عليه بزيادة لا تتعدى المائة ريال في كل سنة. وصدقوني، إن الشركات لو طبَّقت هذه التسعيرة التي اقترحتُ ستكون أيضاً رابحة - بإذن الله -، وربما تضاعفت أرباحها بسبب الإقبال الكبير عليها، ولكن المبالغة في الأسعار بدون ضوابط دليلٌ على الرغبة في تحقيق مكاسب كبيرة في أقل وقت ممكن، وهذا أمر غير مقبول، بل يدخل في دائرة الفساد. كما يجب أن تُلزَم شركات التأمين بأن يكون الفرع رسمياً من حيث المبنى والخدمات، بحيث يكون فرعاً مستوفياً لكل الشروط، ومؤدياً لجميع الخدمات التي يؤديها المقر الرئيس، وأن توضع عقوبات صارمة لمن لا يلتزم بتقديم الخدمة، بما يضمن احترام العميل، وسهولة التعامل. وبالله التوفيق.