في هذه الأيام، أو قل بالأحرى السنوات، التي يتنازع فيها السوريون بالسلاح والموت والدمار، دعونا نعُدْ لتلك المنازلات الأدبية التي آنسوا بها أصحابهم. وكما رويت سابقا، استمرت المعارضات والمناوشات الشعرية في القرن التاسع عشر، بين الشيخ محمد الهلالي، الشاعر الحموي، والشيخ مصطفى زين الدين، الحمصي. ويظهر أن الشيخ الهلالي قد تضايق من زميله وخصمه الحمصي فلجأ إلى نظم بأوزان وقواف غريبة يصعب على الآخر التعرض إليها، آملا في أن يوقع زميله في حيص بيص أدبي. وكان من ذلك موشح بهذا المطلع الثقيل على النفس: عني لووا، قلبي كووا عزا حووا، وعلى القمة بالحسن استووا بيد أن غلاظة هذا البيت لم تمنع الشيخ زين الدين، من منازلة خصمه الحموي، فقال على سبيل الجوعيات: لحما شووا، خبزا طووا، بيضا قلوا وعلى السمن القبوات استووا! ويستطرد الشيخ الهلالي في شعره ليقول: ليت شعري من لقلبي أمرضوا هم إلى الآن غضاب أم رضوا؟ غرضي همُ أعرضوا أم أغرضوا بالتجني أم على قتلي نووا؟ بادر الشيخ مصطفى زين الدين ليعيد سبك هذين البيتين بمقاله: أيها الإخوان للأكل انهضوا وذروا الجوع وعنه أعرضوا وعلى الخروف بالكف اقبضوا بأصابيع على الصحن هووا وعلى هذا السياق من الملاطفات الإخوانية الطريفة، ما كان يجري بين الشيخ محمد شبانة والشيخ قاسم الأديب. منها هجاء الشيخ محمد لزميله بهذه الأبيات: سبحان من قسم النحوس لقاسم وأذل هامه وكساه ثوب خيانة يخزى بها يوم القيامه هو ردء من هجم البيوت وردء من خطف العمامه يختال في نشل الحرير ولا تحصن في دعامه ويسل كحل العين من مَن خوفه ينفي منامه ما إن اطلع الشيخ قاسم على هذا التعريض حتى انطلق ليرد عليه: جل الذي قسم الشقا لشبانه وله إدامه بعمامة لو خالها القلا توهما برامه موروثة عن جده من قال له تبنى القمامه إن كان ذا وجع المطيع فأين أصحاب الندامه لو كان يصلح للعلاء لحق للقرد الإقامه!