×
محافظة المنطقة الشرقية

حان الوقت لحضور الحكام الأجانب في دوري الأولى

صورة الخبر

لم يحدث أن كتب روائي روايته وهو نائم، لا تُكتب الروايات ومؤلّفوها نيام، ولكن حدث كثيرا أن حلم الروائيون بمشاهد صغيرة، أو وقائع متناثرة، فدسّوها في تضاعيف رواياتهم؛ فالروايات مملوءة بالأحلام، قديما وحديثا، ولكنها أحلام يقظة، يكتبها الروائيون، وهم في حال من الصحو كاملة، والخيال السردي هو حلم يقظة تجري أحداثه على الضفاف القصية للواقع، أو ما وراء تلك الضفاف، والعالم الافتراضي الذي يخلقه السرد مماثل للعالم الذي تصطنعه أحلام اليقظة، فليس ثمة حقيقة فيه إنما هو نسيج من تهيؤات مركّبة استعارها الروائي من حصيلة تجاربه، ومواقفه، وخبراته، وتخيلاته، وحذق في نسجها، فبنى منها عالما موازيا لعالم اليقظة، وكما قال باشلار، فالخيال هو "ملكة تشكيل صور تُجاوز الواقع"، ليس من شأن الروائي نسخ الواقع، إنما بتخيلاته يبني معمارا سرديا يتجاوز به ذلك الواقع. لعلم النفس الحديث، ممثلا ب"فرويد"، رأي حول الخيال، هاكم فحواه: ينبثق الخيال لإشباع غرائز يتعذّر الإفصاح عنها، فيكون وسيطا بين حالين هما اللذة والواقع، وبذلك يتنزّل الخيال في المنطقة الغامضة بينهما إبان عملية الانتقال من حال اللذة الخاصة إلى حال الواقع الموضوعي، فيربط بينهما على سبيل المجاز والترميز، فلا يجهر الخيال بحقيقة، ولا يوثّق حدثا واقعا، إنما وسيلته التلميح لا التصريح، ومادته سرابية تنتمي إلى ذاتها، ولا تحيل إلى ما هو خارج عنها إلا بالتأويل الذي يقوم القارئ به. ولتثبيت هذه الفكرة، قال "فرويد" بإن "مملكة الخيال ملجأ يؤسَّس إبان الانتقال المرير من مبدأ اللذة إلى مبدأ الواقع كي يقوم مقام إرضاء الغرائز التي ينبغي الإقلاع عنها في واقع الحياة". يمكن القول بأن الرواية حلم يقظة يقوم على قاعدة من "الغرائز السردية" التي تشكل جملة الحوافز المكبوتة التي تدفع الروائي إلى الكتابة، فالرواية تخيّلُ حالمٍ في حال يقظة، وقد تتظاهر شخصيات الرواية بالرُّقاد، وقد يغالبها النعاس، وربما السُهاد، ولكن بالإجمال، لا تغمض لها عين، ولا تعرف النوم، ولا تحلم، فتلك حيل سردية كثيرة التكرار يلجأ إليها الكتّاب لاثراء روايتهم، بالالتفاف على ما يصعب الجهر به حينما تكون الشخصيات في حال يقظة، ومن ذلك الأحلام الجنسية، والدينية، والسياسية، وجملة الكوابيس التي يمكن العثور عليها في هذه الرواية أو تلك. غاية الخيال في الحياة إشباع نقص، وإرضاء عوز، وغايته في السرد الانفلات من الواقع وتجاوزه إلى عالم افتراضي يكون بديلا عنه، لأنه يتولّى مهمة تمثيله، أو تمثيل أجزاء متناثرة منه. وعودة إلى" فرويد" الذي قال بأن الكاتب، وهو يمارس الكتابة "ينسحب من واقع لا يرضي إلى دنيا الخيال..لكنه يعرف كيف يقفل منه راجعا ليجد له مقاما راسخا في الواقع". وتلك هي الإحالات التأويلية استنادا إلى القرائن المتناثرة في طيّات الأعمال السردية. عالج "فرويد" الخيال الأدبي على أنه تعبير عما هو مكبوت في النفس الإنسانية، وانتهى إلى أن الآثار الأدبية "إشباع خيالي لرغبات لا شعورية شأنها شأن الأحلام". ولم ينكر، على الاطلاق، تأثير اليقظة في إثارة الأحلام، بل إنه أرجعها إلى" اهتمام لا ينفد بعالم اليقظة" لأن كل حلم هو" بناء نفس ذو معنى يمكن الربط بينه وبين مشاغل الحياة في موضع معلوم" فمادة الأحلام "تستمد جميعها من الخبرة"، وذلك يفسر تقريظه لتعريف أرسطو للحلم بأنه "حياة عقلية أثناء النوم". ثم خطا "فرويد" خطوة أخرى في الربط بين الأحلام، وأحلام اليقظة، والخيال، في تحليله لقصة "جراديفا" لمؤلفها "جنسين" فانتهى إلى القول "أن الأحلام المختَلَقة(=أحلام اليقظة) يمكن تأويلها على نحو تأويل الأحلام الحقيقية، وأن العمليات اللاشعورية المألوفة لنا في إنتاج "التداعي الحر" تتم على النحو نفسه كذلك في عمليات التأليف الخيالي"، على أنه لا يجوز القول بالتطابق الكامل بين أحداث الأحلام وأحداث اليقظة، ذلك "أن الأحلام قلّ أن تأخذ من حياة اليقظة ذكريات منظمة، وإنما تأخذ قطوفا ينتزعها الحلم من محيطها"، وذلك ما تقوم عليه الأعمال السردية.