يتخوف حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، من عقاب محتمل توجّهه إليه الطبقة المتوسطة التي عانت من التقشف وفقدت قدرتها الشرائية بسبب سياساته. وكان رئيس الوزراء ديفيد كامرون، أطلق عند وصوله الى السلطة عام 2009، إجراءات تقشّفية لخفض العجز العام بمقدار النصف بعدما بلغت النفقات ذروتها، من أجل مواجهة الأزمة المالية. لكن ذلك ترافق مع إلغاء عدد كبير من الوظائف في القطاع العام، وتجميد الأجور، ونشاط اقتصادي بطيء. وعلى رغم وقف التضخم أخيراً، سجلت الأسعار خلال خمس سنوات ارتفاعاً نسبته 11,5 في المئة، فيما لم يتجاوز ارتفاع الأجور معدل 7,5 في المئة، وفق مكتب الإحصاءات الوطنية. وبذلك انخفضت القدرة الشرائية للعائلات. وانخفضت نسبة البطالة منذ منتصف 2013، لكنّ جزءاً كبيراً من الوظائف التي استُحدثت، هي وظائف صغيرة أجرها ضئيل. واتسمت السنوات الأخيرة أيضا، بتفاقم التفاوت الطبقي، إذ زادت ثورة الميسورين الذين يشكلون عشرة في المئة من سكان العاصمة لندن، بمقدار الربع مقارنة بما كانت عليه قبل الانكماش، فيما انخفض دخل الأكثر فقراً بمقدار الخمس، كما أفادت دراسة لجامعة «لندن سكول أوف إيكونوميكس» للفترة 2007 - 2013. وأشارت هذه الدراسة أيضاًً، الى تراجع نسبته 11 في المئة في معدلات الأجور. وقال ديفيد كريسماس، مدير مركز جمعية «مسيحيون ضد الفقر» (كريستشانز أغينست بوفرتي) في ووستر (مقاطعة ويست ميدلاندز غرب إنكلترا)، إنه «على الناس شدّ الأحزمة في السنوات الأخيرة». وتنتشر ظاهرة ارتفاع الديون، بما في ذلك بين أفراد الطبقة المتوسطة، لأن «الناس الذين هم فوق خط الفقر تماماً، يعانون من عدم ارتفاع الأجور بالنسبة نفسها للتضخم». وعلى الصعيد السياسي، شجّعت ووستر المحافظة (يمين) تقليدياً، وصول العمالي توني بلير (اليسار الوسط) الذي أثار خطابه البراغماتي إعجاب الناخبين الذين يركزون على الاعتبارات المادية. لكن الدائرة انتقلت الى اليمين مجدداً في 2010، مع بروز الناخبين المرغمين على التسوّق في محلات تجارية رخيصة الأسعار، كما أوضحت المسؤولة المحلية في حزب العمال كارولين فلينت، التي دعت حزبها الى استمالة هذه الشريحة من الناخبين التي يتعين عليها التأقلم مع «الارتفاع الضئيل في الأجور»، و «ميزانية أكثر تقشفاً» في السنوات الأخيرة. وقالت سو برينان، التي تقاعدت أخيراً من العمل في القطاع الاجتماعي: «كنت أنفق في (متاجر) تيسكو سبعين جنيهاً كل مرة. اليوم، لا أستطيع إنفاق أكثر من 28 جنيهاً». أما زوجها، فكان موظفاً في الشرطة وتم تسريحه لأسباب اقتصادية، ما اضطر الزوجين الى حساب كل قرش. وقالت سو: «إنه أمر قاس علينا نحن في بريطانيا، كما في قبرص واليونان». وهذا الشعور السائد في شكل واسع، يمكن أن يحدّ من المكاسب السياسية التي يأمل المحافظون في الحصول عليها من عودة النمو. وقال جيديون سكينر، مدير الأبحاث السياسية في معهد استطلاعات الرأي «إيبسوس موري»، إن «المحافظين يعتبرون في شكل واضح أكثر مصداقية على الصعيد الاقتصادي». لكنه أضاف: «في الوقت ذاته، الناس قلقون من كلفة الحياة وقدرتهم أو عدم قدرتهم على الاستفادة في حياتهم اليومية من النمو الاقتصادي». ويعد حزب كامرون في حال فوزه في انتخابات السابع من أيار (مايو) المقبل، برفع الحد الأدنى لفرض الضرائب من أجل تحسين القدرة الشرائية للعائلات. أما حزب العمال الذي يقوده إد ميليباند، فيريد إلزام شركات الكهرباء والغاز بخفض رسومها بنسبة عشرة في المئة. في غضون ذلك، أثار رئيس الوزراء البريطاني موجة تعليقات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي أمس، بعد تناوله نقانق «هوت دوغ» مستخدماً الشوكة والسكين، في خضمّ حملة انتخابية محمومة. وكان الهدف من مشاركة رئيس الحزب المحافظ في حفلة شواء، إعطاء صورة لكامرون على أنه رجل عادي قريب من الناس، وتجلّى ذلك خصوصاً من خلال استغنائه عن البزة الرسمية وربطة العنق. إلا أن حملة العلاقات العامة هذه، كان لها أثر عكسي إذ اتهم صحافيون ومعلقون كامرون بالتعالي والفوقية وابتعاده عن عموم الشعب الإنكليزي، وهي صورة يحاربها الحزب المحافظ منذ زمن طويل. وكتبت صحيفة «مترو» المجانية، أن «كامرون لا يعرف كيف تؤكل الهوت دوغ»، في حين عنونت صحيفة «ديلي ميل» بسخرية: «لا أخفي عليكم، أنا متأنق». وتساءل الصحافي في جريدة «ذي تايمز» ديفيد جاك: «أي نوع من الأشخاص يتناول الهوت دوغ بالشوكة والسكين؟».