«لزمنٍ طويل.. بدت الأمور وكأنها لا تتحرك، ولكن عندما تمّ تجهيز كلّ شيء، بدت الأمور كأنها تسير بسرعة البرق»، توقفت عند هذه الجملة طويلاً في أحد الكتب وأنا أقرأ، نعم! طالما شعرنا بذلك عندما نُقدم على أمرٍ ما، ونتأمل حجم الصعوبات والجهود التي ستُبذل، ونفكّر بالسلبيات أكثر ممّا نفكّر بالهدف نفسه، لذلك الكثير يتراجع. دائماً ما أفكّر بأولئك الذين حضروا الاختبار الذي حضره غيرهم لنيل شهادةٍ أو دراسة تخصّص ما وهم يمتلئون حماساً، وما إن تحطّ أقدامهم على مقاعد العلم، ويمر أسبوعٌ أو أسبوعان، حتى تجد مقاعدَهم خاوية، بالرغم من أنّ هذه الفترة القصيرة مجحفة للحكم على الواقع، نعم! يفصلنا عن الناجحين الثباتُ على الطريق لتحقيق أهدافنا، فكثيرٌ منا يضخّم الصعوبات ويغلّب الراحة على التعب اللذيذ. عندما كنت أستلم وثيقة تخرّجي من الجامعة قابلت طالبةً مستجدّة، فما إن رأت الوثيقة حتى تنهّدت بمللٍ وتساءلت عن الزمن الذي ستأخذ فيه وثيقتها، تبسّمتُ من أمرها وسألتها: «هل تظنين أننا سجّلنا اليوم واستلمنا شهادة التخصص بالغد؟! لقد درسنا سنوات، وبذلنا جهداً للحصول على ذلك، إنّ المكان الذي تلجين فيه لأول مرةٍ اليوم ولجنا إليه قبل أربع سنوات، ومنّا مَن أتمّ الست والثماني سنوات»! يشرح الدكتور ديفيد نيفن في كتابه: (100 سبب من أسباب السعادة)، والتي جمع فيها محصّلة دراسات نفسية علمية، فكرة إعطاء الذات فرصة للتأقلم على التغيرات، فإن كنت قد قرّرت الدراسة بالخارج، واستعددت، وبذلت جهداً للالتحاق بالبعثة، ثم وطئت قدماك أمريكا أو أستراليا، وبعد شهر قرّرت أيضاً أنك فاشل، وأنّ عليك على العودة إلى أرض الوطن الليلة، فإنّ فشلك في التأقلم مرجعه إجبارُ نفسك على أن تكون مرتاحاً مع التغيرات بسرعة البرق، وهذا لا يمكن تحقيقه حتى لمقيم غير شرعيٍّ يطأ أرض وطنك، لذا ينصح د. نيفن بإعطاء ما لا يقلّ عن ستة أشهر لاتخاذ قرارٍ تجاه المثير المقلق، والعمل على تقبّل أثر التغيرات وضغوطاتها، أو بالأحرى الاعتراف بها. ذكر عبد الله الداود في كتابه: (أوراق طالب في الخارج) قصة الطالب الذي لم يتأقلم على الحياة في نيوزيلندا فعاد للوطن، لكنه عندما عاد لم يشعر بالراحة؛ لأنّ هناك هدفاً لم يتحقق بعد، فقرّر العودة إلى نيوزيلندا مرة أخرى، ردة الفعل هذه سرّبت منه قلق البداية والخوف من التغيرات، وما زلت أتذكّر كلمة أحد المبتعثين الذي قال: «ذهبتُ لأمريكا وأنا أبكي بالطائرة، وعدتُ حاملاً الشهادة وأنا أبكي». لا بد أن نكون رحماء بأنفسنا، فلا نجبرها على أن تكون مثالية وخبيرة في مواجهة التجارب الجديدة، علينا أن نؤمن أنها البداية، وأنها مجرد عتبة وخطوة، إذا قفزناها سيصبح كلّ شيء تحت السيطرة، ويسير وفق الجدول المرسوم، وأن نذكّر أنفسنا دائماً بأهدافنا وغايتنا التي تعطينا دفعة كلّما أبطأنا، ونتمسك بالله وبمعيّته، ونتذكّر قول الرسول صلى الله عليه وسلم عند اهتزاز الجبل الذي يقف عليه هو وأصاحبه: (اثبت أُحد)، نعم في شوارع البداية المربكة لا بد أن نتسلّح بالثبات حتى لا نتوه عن الغاية. رابط الخبر بصحيفة الوئام: البداية.. وشوارعها المربكة