عاصفة الحزم حاضرة بقوة في العاصمة الرومانية، وقد تكون حاضرة في كل عواصم الاتحاد الأوروبي. لكن ما شاهدته في بوخارست جعلني أستعيد ذكرياتي السابقة في أول زيارة لرومانيا، حيث وجدت تأييداً وحبًا من الرومانيين للعرب لا ينكرونه بل يفتخرون به. مدينة بوخارست Bucureti وبالإنجليزية Bucharest عاصمة جمهورية رومانيا - التي أزورها هذه الأيام ضمن وفد لجنة الصداقة السعودية الرومانية في مجلس الشورى- من أكبر المدن الأوروبية عراقة. وقالت لنا الدليلة السياحية في المتحف الوطني إن بوخارست أخذت اسمها، حسب الأساطير القديمة، من اسم راعي خراف يدعى بوكوريشت، ومع مرور الزمن تحور الاسم إلى بوخارست. والمدينة جميلة ونظيفة يربو عدد سكانها على مليونين وثلاث مئة ألف نسمة مما يجعلها سادس أكبر مدينة في الاتحاد الأوروبي. وتقول الدليلة: إن أول ذكر مسجل للمدينة كان في سنة 1459م، واختيرت عاصمة لرومانيا في سنة 1862 م. منذ ذاك الوقت مرَّت المدينة بالعديد من الأحداث والتغيرات التي جعلتها مركزًا للإعلام والثقافة والفنون، وتنوع معمارها لافت للنظر فهو خليط بين نمط العصور الوسطى والشيوعية والعصور الحديثة. وحسب محدثي فإن البعض يُطلق على المدينة مسمى باريس الشرق أو باريس الصغيرة، وشهدت المدينة تدميرًا للعديد من مبانيها الأثرية بسبب الحروب المتوالية والزلازل والأعمال العمرانية للنظام الروماني الشيوعي بقيادة نيكولاي تشاوتشيسكو. ولا زالت حملات جمع التبرعات منتشرة في الفنادق والتجمعات من أجل مساعدة الأسر التي تشردت بسبب الزلازل الأخيرة. بوخارست من أكثر المدن الأوروبية ازدهارًا اقتصاديًا. وهي واحدة من المراكز الصناعية الرئيسية ومحاور النقل في أوروبا الشرقية. وتتوفر المدينة على مجموعة واسعة من المرافق الحيوية لعقد المؤتمرات، والمرافق التعليمية والأماكن الثقافية والمحلات التجارية والمناطق الترفيهية. وجدنا في هذه المدينة ترحيبًا واستقبالاً يخفف من برودة الجو. وساعد على الدفء تناولنا لأحداث المنطقة العربية في خضم عاصفة الحزم، التي وجدتها حاضرة عند كثير ممن التقيناهم. وبخصوص تناول الإعلام الروماني لعاصفة الحزم فقد تابعتُ بعض الصحف الرومانية بالإضافة إلى التلخيص الذي تعده السفارة السعودية في بوخارست، وقرأت تحليلات لعاصفة الحزم التي تشنها قوات التحالف على مواقع المتمردين في اليمن. وكانت صحيفة ايفينيمينتول زيلي من أكثر الصحف الرومانية تناولاً لعاصفة الحزم، مع أنها من أكثر الصحف اعتمادًا على وكالات الأنباء الغربية. والمعروف أن بعض وكالات الأنباء الغربية خصوصا وكالة أسوشيتد برس تنشر تقارير متناقضة عن عاصفة الحزم. ومع هذا فقد نشرت كل من: أجر برس وهوت نيوز أخبارًا وتحليلات مقتضبة عن تصميم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على إعادة الشرعية اليمنية، استجابة لطلب رئيس الجمهورية اليمنية الشرعي عبدربه منصور هادي. ونشرت صحيفة رومانيا ليبيرا مقالاً عنوانه: الرياض مقابل طهران، وفيه أن عاصفة الحزم هي البداية المنطقية لتشكيل شرق أوسط جديد. وقالت الصحيفة إن التحالف وجد تأييدًا من مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ، بل وأسس قوة عربية موحدة. ورحبت الصحيفة بأن هذه التطورات ستكون قوة في وجه الإرهاب ومكافحة الجماعات المتشددة. وأشارت الصحيفة إلى رفض المملكة العربية السعودية ودول الخليج والدول العربية بالهيمنة الإيرانية على مضيق باب المندب الذي يمر منه 7% من النفط العالمي، بل والتوسع الإيراني غير المبرر في المنطقة العربية. وتوصلت الصحيفة إلى استنتاج مفاده أن الغارات الجوية على اليمن جاءت كرد عربي على الاتفاق الأميركي الإيراني الأخير. وقالت صحيفة البورصة: إن الحملة العسكرية على اليمن قد تستغرق ستة أشهر، بينما قارنت صحيفة جورنال ناسيونال بين الحملات العسكرية على اليمن ومآلاتها وبين التطورات في أوروبا في القرن السابع عشر عندما اندلعت حرب الثلاثين عاماً. وتخشى الصحيفة أن تُشكل اليمن بؤرة صراع بين السنة والشيعة، ولا تخفي تحليلات بعض أعضاء البرلمان الروماني والنخبة الرومانية تأييدها لعاصفة الحزم من كونها تسعى لترسيخ الشرعية اليمنية، ودحر التدخل الإيراني في شؤون المنطقة العربية. لكن الصوت الروماني الواضح سمعناه من عدد من المسؤولين الرومانيين الذين التقيناهم. وكانت السيدة كارمن بورلاكو وزير الدولة للشؤون الخارجية على رأس أولئك. وهي كانت أكثر وضوحًا عندما قالت ما نصه: رومانيا تؤيد ما تقوم به قوات التحالف في اليمن من منطلق تثبيت الشرعية وإعادة الأمن والاستقرار لليمن. وكان وفد لجنة الصداقة السعودية الرومانية قد أكد في كل لقاء مع المسؤولين الرومانيين على أن عملية عاصفة الحزم جاءت استجابة لرسالة الاستغاثة التي وجهها الرئيس الشرعي لجمهورية اليمن عبدربه منصور هادي إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، لإنقاذ اليمن وحماية الشعب اليمني من مليشيات المتمردين الحوثيين، واستند قرار عاصفة الحزم على كل من: المادة الواحدة والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، ووفقاً لاتفاقية الدفاع العربي المشترك. عاصفة الحزم حاضرة بقوة في العاصمة الرومانية، وقد تكون حاضرة في كل عواصم الاتحاد الأوروبي. لكن ما شاهدته في بوخارست جعلني أستعيد ذكرياتي السابقة في أول زيارة لرومانيا، حيث وجدت تأييداً وحبًا من الرومانيين للعرب لا ينكرونه بل يفتخرون به.