×
محافظة مكة المكرمة

انطلاق مهرجان الورد الطائفي الحادي عشر في عروس المصائف.. غدًا

صورة الخبر

التطورات الخطيرة التي قادت إلى الحرب في بلد الإيمان والحكمة، لم تكن هي المأمول، ولم تكن هي المرتجى، ذلك لأن طريق السلام والحوار هو السبيل الأمثل إلى حل وتجاوز الخلافات السياسية، وقد كانت المبادرة الخليجية - ولا تزال - في رأيي هي الحل للمشكلة اليمنية، لأنها جاءت لإنقاذ ومعالجة الأزمة اليمنية في إطار منظومة متكاملة، وفي إطار الحوار وفقا لتوافق سياسي أجمع عليه اليمنيون تحت رعاية وإشراف خليجي ودولي. هذه المبادرة التي ربطت بآلية تنفيذية مزمّنة وحددت لها خطوات واضحة، كان يجب أن تدخل اليمن بعد عامين من بدء تنفيذها في الاستحقاقات الدستورية (انتخابات برلمانية ورئاسية)، لكن تسارع الأحداث وانشغال أحزاب سلطة «الوفاق الوطني» بالتسابق على تقاسم الوظيفة السياسية والعامة، دفع بمعارضيهم وبالذات الحركة الحوثية إلى الاستفادة من الأخطاء الكبيرة والقاتلة التي وقعوا فيها. وما يؤسف له أن الناظم الخليجي، المعني بدرجة أساسية بمراقبة تنفيذ المبادرة، ترك الأمر للرئيس هادي وقادة «أحزاب المشترك» وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون في عدم الالتزام بالخطوات المزمّنة للآلية التنفيذية للمبادرة، لتوكل مهمة الإشراف عليها للسيد جمال بنعمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، الذي اندمج في الدور مع السفراء الغربيين وتحديدا السفير الأميركي في فهم وتفسير المبادرة الخليجية. وهكذا خضعت المبادرة الخليجية للتلاعب ليتم بالتالي تجاوزها والانقلاب عليها، فمشروع الدستور ظل في تطويل ومماطلة وتسويف وأخذ ورد لغرض التمديد، الأمر الذي أدى إلى عدم الاستفتاء عليه وفقا للمبادرة، ثم تأجيل الدخول في الانتخابات التي كانت مقررة في مطلع 2014م، والتي كانت - لو تمت في الوقت المحدد - ستقود إلى حل وإن جزئي للمشكلة اليمنية. ومن هنا لم يكن مصادفة دخول البلاد في دوامة عنف دراماتيكية مذهلة، بدءًا باقتحام الحركة الحوثية لمدينة عمران في يوليو (تموز) 2014م، وانتهاء بدخول صنعاء في سبتمبر (أيلول) من نفس العام، وهي الخطوات التي تغاضى عنها الرئيس ولكنها حظيت بدعم وتواطؤ وزير دفاعه السابق محمد ناصر أحمد، الذي هدد القوات المسلحة بضربهم بالطائرات إن هم اعترضوا سيطرة الحوثيين على مبنيي التلفزيون والقيادة العامة للقوات المسلحة. لقد تزاحمت الأحداث، واختلطت الأوراق في المشهد السياسي اليمني بقدر كبير، أربك معه تقدير النتائج، ولذلك فقد كان لتقديم الرئيس هادي استقالته في 22 يناير (كانون الثاني) 2015م نتائج وتداعيات لم يكن لها أن تحدث لو أن الرئيس عدل عن استقالته وهو في صنعاء، والتي كان من أبرزها: - إعلان الحركة الحوثية لما سمي «الإعلان الدستوري» الذي تجاوز الحوار، وألغى السلطة التشريعية بحل مجلس النواب، وتجاوزت به الحركة الحوثية نفسها عندما قفزت على وثيقة وطنية حظيت بتوافق سياسي محلي ومباركة إقليمية ودولية، وهي وثيقة «السلم والشراكة»، التي أعدت وفقا لتوجهاتها ومرئياتها في المشاركة وإدارة الشأن العام. - خروج الرئيس هادي إلى عدن وتشكيله ميليشيات مسلحة، كان الرئيس هادي في غنى عنها بوجود قيادة الجيش وسيطرته عليه، لأن تشكيل اللجان الشعبية لم يكن ليتم في ظروف معقدة ومستعجلة بعيدا عن اندفاع وتدافع القوى القاعدية المتطرفة إليه، وهو ما يمكن أن يزيد المشكلة تعقيدا. - اندلاع الحرب التي لم تكن هي الأخرى متوقعة. لا يستطيع أحد أن ينكر أن الرئيس هادي الذي وصل إلى الرئاسة قبل أربع سنوات عبر المبادرة الخليجية لم يتدارك تداعيات إدارة الأزمة وإدارة الحوار، الأمر الذي أوصل الفرقاء السياسيين إلى مرحلة التقاطع ثم الافتراق، حيث كان يمكن للسعودية أن تتدخل وتفرض ضغوطها السياسية لمواصلة التسوية بالتفاهم والحوار. كما لا ينكر أحد أيضا أن الحوثيين بالغوا في اندفاعهم وغرورهم سياسيا وميدانيا، وشكلوا قلقا كبيرا للأمن الداخلي والخارجي، لكن ذلك لم يكن ليلغي مساحة العمل السياسي والدبلوماسي التي كانت - ولا تزال - متاحة، إذ بإمكان السعودية الاستفادة من قوة علاقاتها في الداخل اليمني، ثم الاستفادة من دور وحيادية سلطنة عمان (العضو السادس بمجلس التعاون الخليجي)، بحكم علاقتها المرنة مع إيران للتقريب بين وجهات النظر، وجر الحوثيين إلى طاولة الحوار على قاعدة المبادرة الخليجية، وكان ذلك ممكنا، ولا يزال ميسورا للمملكة الشقيقة فعله، وهو البديل الإنساني المأمول، والبديل الأفضل لحل المشكلة اليمنية. اليمنيون الذين يكنون كل الود والمحبة لجيرانهم في المملكة السعودية، ولكل دول مجلس التعاون الخليجي، لا يزالون على أمل مواصلة إنفاذ المبادرة الخليجية بطريق السلم والحوار، ذلك لأن المتضرر الأكبر من استمرار التأزم والحرب والاقتتال هم الأبرياء من أبناء الشعب اليمني، أما الفئات المتصارعة فهم بمنآى عنها، ولن تطال أحدا منهم، والحال هو نفسه بالنسبة لإيران التي تدعم وتثير بؤر التوتر في المنطقة، فهي الأخرى بمنأى عن الحرب، وهي مشغولة - كما رأينا - برتيب وضعها مع الولايات المتحدة الأميركية، وتستعد لاستكمال برنامجها النووي لتصبح قوة كبرى في المنطقة، ولا يهمها أن يقتل العرب بعضهم، بل ذلك هو من صميم أجندتها التي تنفذها في المنطقة العربية. ثم إن الحرب التي تبدو مرة على الجميع، ولا ترضي أحدا ستعمل على تفاقم المسألة الإنسانية في اليمن والمنطقة، وستمهد الطريق - إذا ما استمرت - لسيطرة تنظيم القاعدة والمنظمات الإرهابية المذهبية (شيعية - سنية) في عدد كبير من المحافظات اليمنية، الأمر الذي بدوره سيعمل على تهديد الأمن الملاحي الإقليمي والدولي في منطقة الجزيرة والخليج. وعليه أرى أن شرعية الدولة في اليمن يمكن أن تستعاد من خلال اتباع أحد المخارج أو (الخيارات) السلمية العاجلة لحل المشكلة اليمنية وفقا للمبادرة الخليجية، ومنها: 1) استمرار التوافق على تشكيل مجلس رئاسي، تشارك فيه كل المكونات السياسية، وهو ما كان قد اتفق عليه في حوار «الموفنبيك» برعاية دول الخليج وممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر. 2) تشكيل مجلس رئاسي مكون من رؤساء المؤسسات الدستورية الرئيسية الثلاث (النواب، الشورى، مجلس القضاء الأعلى)، إلى جانب ممثل عن كل من حركة الحوثيين (أنصار الله)، والحراك السلمي في الجنوب. 3) تشكيل مجلس إنقاذ وطني لفترة انتقالية محددة يضم ممثلين مستقلين (غير حزبيين) يتمتعون بالنزاهة والخبرة والكفاءة عن 22 محافظة من محافظات الجمهورية. المشكلة في اليمن اليوم، هي مشكلة فراغ سياسي، وفراغ في القيادة القادرة على إدارة الأزمة وتوجيه البلاد بما يخدم الأمن والاستقرار والتنمية ثم التداول السلمي للسلطة.