فقدت الجزائر أمس نجمها السينمائي المعروف سيد علي كويرات عن عمر ناهز 82 عاما، بعد مسيرة حافلة بالعطاء صار خلالها أيقونة سينمائية في بلاده، لا سيما بعبارته الشهيرة علي موت واقف. وقد دخل كويرات المستشفى في مارس/آذار الماضي، وأجرى في الفترة الأخيرة عدة عمليات جراحية لم تفلح في إنقاذ حياته. ولد كويرات في السابع من سبتمبر/أيلول 1933، وعلى مدار ستين عاما أصبح الوجه الأبرز سينمائيا ببلاده، ولقب بعميد الممثلين الجزائريين، وأسد الشاشة الجزائرية، وهو اللقب الذي أطلق عليه بسبب أدائه القوي في التمثيل. وتجلى الحضور السينمائي المتميز لكويرات في أسمى صوره حينما قال عبارته الشهيرة علي موت واقف في فيلم العفيون والعصا الذي يروي فصول ووقائع معاناة إحدى القرى الجزائرية خلال فترة الاستعمار بسبب تعاطف سكانها مع الثوار. التحق كويرات في بداية مسيرته الفنية بالمسرح الجزائري عام 1950، واشتغل مع عمالقة الخشبة الجزائرية محيي الدين بشطارزي، ومصطفى كاتب، ومحمد بودية، وغيرهم. وكوجه سينمائي بدأ ظهوره مع فيلم أبناء القصبة عام 1963، لتتوالى بعد ذلك عطاءاته الإبداعية، ومنها العفيون والعصا (1970)، وهروب حسان طيرو (1974)، وعودة الابن الضال (1976)، والضحايا (1982)، والمهاجر (1994)، وخالي وتلغراف (2007)، والأجنحة المنكسرة (2009)، والمفتش لوب (2012) المقتبس من رواية الأديب ياسمينة خضرا. وتضاف إلى هذه الأفلام لائحة كبيرة من المسرحيات الثورية والاجتماعية ذات القالب الفكاهي. وتعد مشاركته في فيلم وقائع سنين الجمر من إخراج محمد الأخضر حامينا، والذي توج بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1975 كأحسن فيلم، المحطة الأبرز في مسيرته السينمائية. وقد خلف رحيل كويرات ردود فعل حزينة وسط الأسرة السينمائية والفنية، التي اعتبرت رحيله خسارة كبيرة للمشهد السينمائي الجزائري، ورأت من الصعب اكتشاف ممثل كبير مثله. وجه في الذاكرة ويرى الروائي وكاتب السيناريو عيسى شريط أن أقوى ما في الراحل ليس الأداء المتميز فحسب، بل وجهه أيضا، فهو وجه فوتوجينيك سينمائي بامتياز. ويقول شريط للجزيرة نت إنه كلما ذكرت السينما الجزائرية يتجلى وجه سيد علي كويرات بقوة لأنه فقط خزن في ذاكرة أجيال متعاقبة. ويتابع قائلا إن كويرات ممثل بالمعنى الأكاديمي للكلمة، حباه الله وجها متميزا وكاريزما نادرة يفتقر إليها أغلب الوجوه السينمائية الراهنة، وموهبة تمثيلية مقنعة متميزة أهلته لدخول تاريخ السينما الجزائرية من أوسع أبوابها، وأن يضع على صفحاتها بصمته الأبدية. وعن كويرات الإنسان يروي شريط موقفا حدث له معه إذ يقول كنت محظوظا جدا حين اختير هذا الفنان الكبير للعب دور من أدوار الفيلم التلفزيوني الذي كتبته تحت عنوان خالي والتلغراف من بطولة نخبة من الممثلين الجزائريين وإخراج الحاج رحيم. ويتابع حضرت في أحد بلاتوهات التصوير، والوحيد الذي اقترب مني وسألني هو سيد علي كويرات، وحين عرف أنني السيناريست شكرني كثيرا، وشجعني، وأثناء سهرة العشاء اقترب مني مرة أخرى وقال إذا زرت العاصمة لا تذهب للإقامة في الفندق فبيتي مفتوح لك، ويضيف أنه أدرك حينها تواضع الرجل وكرمه. خسارة وتأسف المخرج ومنتج فيلم الأجنحة المنكسرة يحيى مزاحم في حديثه للجزيرة نت عن خسارة هذا الاسم في المشهد السينمائي الجزائري، وأوضح أن الأسف يتعاظم حينما نعلم أن موهبة الفنان وطاقته الإبداعية لم تستغل كما ينبغي. والسبب في ذلك -وفق رأيه- هو شحّ الإنتاج السينمائي ببلاده، وهو ما لم يسمح بالاستفادة المثلى من إبداعات الفنان كويرات، الذي ترك رغم ذلك بصمة واضحة في المشهد السينمائي الجزائري. وبخصوص تجربته مع الفنان من خلال فيلم الأجنحة المنكسرة، أكد مزاحم أن الممثل كويرات أبان عن تواضع كبير جدا خلال تصوير الفيلم، لأنه قبل العمل مع مخرج شاب، وقبل أيضا أداء دور رئيسي رغم أن المقابل المادي الذي مُنح له كان أقل بكثير مما يستحق، والسبب في ذلك الميزانية الصغيرة التي رُصدت للفيلم. من جانبه، وصف المخرج أحسن عصماني الممثل الراحل بأنه عميد الممثلين الجزائريين، مؤكدا أن كويرات قدم الكثير للسينما الجزائرية، وأهم ما يميز أعماله -بحسب رأي عصماني- هو القوة من حيث الأداء، أو من حيث المواضيع التي يعالجها سينمائيا.