أكد لـ«الشرق الأوسط»، اقتصاديون، أن الاقتصاد السعودي سيبقى على قوته ومتانته، لأعوام مقبلة مديدة، منوهين بأن نجاعة السياسات المالية التي تتبعها الحكومة، المدعومة من مجلس التنمية، تبعث بالاطمئنان على مستقبل الاقتصاد الوطني. وأوضحوا أن توجه الرياض نحو تعزيز سياسة التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمار النوعي، والاستمرار في الاستثمار في الموارد البشرية والتدريب مع تحفيز ريادة الأعمال والابتكار، كفيل بأن تبقى السعودية على أفضل مستوى ائتماني. وتوقعوا استمرار السعودية في تنفيذ مشروعات التنمية الكبرى دون تعديل في حجم الأرصدة المعدة لها، كركيزة أساسية لتعظيم البنى التحتية، بفضل نجاح السياسات الاقتصادية في امتصاص صدمة هبوط أسعار البترول، وإبقاء الديون في حدها الأدنى، في ظل قدرتها على الاحتفاظ باحتياطي مالي ضخم يمكن الاقتصاد من الصمود أمام أي هزة مستقبلا. وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة «التصنيف الائتماني للسعودية على AA3 يؤكد أن الوضع الاقتصادي فيها مستقرّ، رغم تأثره المباشر بأسعار البترول عند الصعود إيجابا وعند الهبوط سلبا»، مؤكدا قدرة البلاد على الاستمرار في تنفيذ مشروعات التنمية وفق الخطط المعدة سلفا، دون أن تحجم مصروفاتها المعتمدة. وأضاف باعجاجة: «بلوغ هذا التصنيف الائتماني للسعودية عن AA3 يعود في الأساس إلى قدرة السياسات الاقتصادية والمالية التي أثمرت كفاءة اقتصادية وملاءة مالية قوية، متجاوزة بذلك التحديات التي خلقتها انخفاض أسعار البترول وانخفاض إيراداته». وزاد: «الوضع الاقتصادي السعودي مستقر من ناحية حجم الميزانية وحجم مصروفاتها، في حكم البقاء على استمرارية الصرف على الوضع الأول من حيث الإنفاق على البنى التحتية، حيث يلاحظ استمرار العمل على المشروعات التي كانت قائمة، وتلك التي أقرّت من قبل دون أي تأثير على ما رصد لها من ميزانية». ولفت باعجاجة إلى أن المصروفات في مفاصل دولاب العمل العام والخاص كافة، تمضي على وضعيتها الأولى، حيث إن الرواتب وما في حكمها مستقرة ولا توجد تخفيضات، بل العكس فإن الرواتب ارتفعت، مشيرا إلى أن هذا الوضع سيستمر ولن يتأثر بانخفاض أسعار البترول تحت أي ظرف من الظروف. وأضاف باعجاجة: «يلاحظ أن التصنيف الائتماني للسعودية انخفض - حاليا – عما كان عليه الوضع خلال الأعوام الماضية، وتبعه انخفاض في إيرادات البترول على خزينة الدولة، على عكس الوضع في الأعوام الماضية التي شهدت أسعارا مرتفعة للبترول تراوحت بين 90 دولارا للبرميل كحد أدنى، وتجاوز الـ100 دولار للبرميل». ولفت إلى أن ارتفاع أسعار البترول في الأعوام الماضية، كان وراء تصنيف السعودية الائتماني في وضعه الأفضل، مبينا أنه كان دائما عند A+، منوها بأن وكالات عالمية عدة اتفقت على هذا التصنيف، خاصة في عام 2012 وعام 2013 حيث كان التصنيف الائتماني جيدا بالفعل. وقال باعجاجة: «الآن، ورغم انخفاض أسعار البترول وبالتالي انخفاض إيراداته وتأثيرها على موارد خزينة الدولة، فإن تصنيفها الائتماني على AA3 يدلل على نجاعة السياسات الاقتصادية والمالية التي تجاوزت تحديات هبوط أسعار البترول». من جهته، قال الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بجازان (غرب السعودية): «السياسات الاقتصادية والمالية التي اتبعتها السعودية، كانت بعيدة المدى، ومستوعبة لمستجدات المرحلة التي يدخل في حكمها هبوط أسعار النفط بنسبة تجاوزت الـ50 في المائة، أثمرت صمود الاقتصاد السعودي وقدرته على تجاوز صعوبات المرحلة». ولفت باعشن إلى أن إبقاء التصنيف الائتماني السعودي عند AA3 وفق وكالة «موديز»، يؤكد سلامة السياسات الاقتصادية والمالية، وقدرتها على سد الفجوة التي خلقها هبوط إيراد البترول كمصدر دخل رئيسي لخزينة الدولة، وبالتالي إبقاء بنود الصرف على مشروعات التنمية دون أي تغيير أو تحجيم، مما يؤكد الاستمرار في هذه المشروعات التي تعد في الآخر ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني. ونوه باعشن إلى أن الوضع السعودي - حاليا - مستقر ومطمئن إلى حد كبير، مبينا أن السعودية استطاعت أن تؤسس ملاءة واحتياطات مالية ضخمة، تمكنها من تجاوز الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي المرتبط بأسعار البترول صعودا وهبوطا، مؤكدا قدرة البلاد على المضي قدما في سبيل تنمية مشروعاتها مع تجاوز هبوط أسعار النفط لأطول فترة ممكنة. من ناحيته، أوضح المحلل المالي عبد الرحمن العطا، أن تركيبة الاقتصاد السعودي آخذة في اتباع سياسة التنويع وجذب الاستثمار الأجنبي ذي القيمة المضافة، فضلا عن توجه السعودية نحو تعزيز الاقتصاد المعرفي وتدريب الكوادر الوطنية وإشاعة التعليم على أوسع نطاق، مشيرا إلى أن ذلك سبب رئيسي لقدرة الرياض على تجاوز تحديات هبوط أسعار البترول والإبقاء على التصنيف الائتماني AA3. وتوقع العطا استمرار الحكومة السعودية في تعزيز سياستها نحو التنويع الاقتصادي، والتركيز على الاستمرار في الاستثمار في الموارد البشرية، وتحفيز بيئة ريادة الأعمال والابتكار، مشيرا إلى أن احتياطياتها المالية كبيرة تمكّن البلاد من الاستمرار في تنفيذ مشروعاتها التنموية، فضلا عن إبقاء ديونها عند الحد الأدنى. وأكد العطا أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، سيكون داعما أساسيا في إبقاء الاقتصاد السعودي على قوته المالية للموازنة في ظل احتياطات تقدر بـ100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنه سيبقي الدين عند حده المقدر بنسبة 2 في المائة، مما يبعث على الاطمئنان بمستقبل الاقتصاد السعودي من ناحية الاستقرار والقوة والنمو. يشار إلى أن وكالة موديز للتصنيف الائتماني أبقت على تصنيف السعودية عند مستوى AA3 مع نظرة إيجابية مستقرة، بفضل الأصول الاحتياطية الضخمة للبلاد التي قدّرتها وكالة التصنيف الائتماني بنحو 100 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي، مع قدرتها على التكيّف مع استمرار هبوط أسعار النفط لمدة أطول. ونوّهت بأن معدل الدين المحلي المنخفض للغاية الذي بلغ 1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الماضي يعطي المرونة في استخدام أدوات الدين المحلية لتمويل العجز في ميزانيتها على مدى العامين المقبلين، متوقعة قدرة السعودية على تمويل أي عجز في ميزانيتها في الفترة المقبلة باستخدام خليط من إصدارات الدين المحلي أو السحب من الأصول الاحتياطية الضخمة.