عندما كنا صغارًا كنا نقرأ كثيرًا عن قصص وروايات العصا السحرية التي يُلوِّح الساحر بها في الهواء فيحول الفئران إلى خيول! والقرع إلى عربات مذهبة، والصحارى إلى غابات وارفة، وأهم أثر لها هو تحويل سندريلا الفقيرة إلى أميرة. وكان هذا النوع من الأساطير هو الأكثر تداولاً بين أهلينا كي يستجلبوا النوم إلى جفوننا فننام ونحن مصدقون أن هناك عصًا سحرية قد تبدل واقعنا يومًا ما. لم نتوقع ذات صباح أننا سنفيق على حقيقة أن أهلينا خُدِعُوا وخدعونا معهم، وأن العصا وصاحبها لم يكونا من قصص الأساطير، بل هما واقعًا يعيش بين ظهرانينا قبل تأليف الأسطورة نفسها!. ما إن هبت الثورات العربية حتى لوح بعض الممتطين صهوتها بعصا التغيير السحرية، فانساقت الشعوب الثائرة خلف دعواهم تلك، وما إن بدأت حتى تكشّفت على أعتابها وجوه الحقائق المندسّة خلف الشعارات البراقة المنادية بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فأماط واقعها المرير اللثام عن نوايا السحر والساحر، وكانت عصا الأماني تلك نذير شؤم خَلَفَت بعدها وفي وقت وجيز جدًا دولاً مفتتة أضحت أرضها مرتعًا خصبًا للاقتتال والنزاعات والصراعات الطائفية. فضحت عصا التغيير السحرية تلك والتي لوّح بها الغرب وأتباعهم مخططات كاد شرها يطالنا.. وبشكل أو بآخر طالنا نصيب منها، ومما لا شك فيه أننا كنا ضمن قائمة مخطط التفكيك والتفتيت إن لم نكن على رأسها. المواقف المتغيرة في وطننا العربي تتلاحق، وكل يوم نفاجأ بأحداث متسارعة ومخططات خارجية تلف أذرعتها حولنا لتضيق الخناق على سبل السلام والوفاق والتلاحم فيما بين الفرق المتناحرة في دول الثورات، وفي المقابل حرص قادة دول الخليج - المعنية دولهم اليوم بآخر مخططات التفكيك المدمرة للمنطقة بأكملها، وفي هذا الوقت العصيب بالذات - على تحقيق التكاتف الخليجي والعربي والذي يعد دورًا حيويًا فاعلاً يصب أثره في شقين هامين: الأول: نبذ الفرقة والتحزُّب، واحتواء المُختلِف حتى لا يكون أداة في يد المتربص بنا وخنجرًا في خاصرة تلاحم الشعوب مع قادتهم على حدٍ سواء.. الثاني: بناء قوة عربية مشتركة قوامها التكاتف العروبي سياسيًا واقتصاديًا. مرصد.. ما يدور حولنا من حركات ثورية وحروب أهلية وتحزيم دول الخليج بها ما هي إلا مؤشرات تنبئ أن الهدف هذه المرة كان مصوبًا وبدقة نحو المملكة العربية السعودية وهذا الأمر بحد ذاته لم يكن غائبًا عن قادتنا الذين استشرفوا مبكرًا ما وراء الأحداث من مخططات تهدف إلى خلق ميدان جديد من الصراعات المختلفة كليًا عما سبقها من صراعات أخرى في المنطقة العربية برمتها، وكانت ترمي هذه المرة إلى نشوب حرب عالمية ثالثة.. عربية.. عربية.. تبدأ بنا وتنتهي بنا. Ksa.watan@yahoo.com