الواضح أن «عاصفة الحزم» قد هزّتْ المركب الفارسي برمته وبجناحيه، حتى لم يعد ثمة مجال لممارسة لعبة التوازن بين التيارين، فحركت الأمواج تحت مركبهم معا، ما جعله يستشعر الخطر بدنو هذه العاصفة من تحطيم المركب بمن فيه نعرف هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، أو هكذا أراد هو أن نعرف عنه، أنه أحد أبرز رموز التيار الإصلاحي أو المعتدل في إيران، لكنه وعلى غير العادة ظهر هذه المرة كما لو أنه استأجر لسان أحمدي نجاد عندما وصف عاصفة الحزم بأنها عدوان عسكري سافر على الشعب اليمني، وأنها عبارة عن لعب بالنار على حد زعمه إلى غير ذلك من التهديد والوعيد، وقادته غضبته الصفوية إلى إلغاء زيارة للمملكة قال إنه كان ينوي القيام بها. ترى ما الذي دفعه لاتخاذ هذا الموقف الحاد، والذي يكاد ينقله من معسكر الحمائم إلى معسكر الصقور؟ الواضح أن "عاصفة الحزم" قد هزّتْ المركب الفارسي برمته وبجناحيه، حتى لم يعد ثمة مجال لممارسة لعبة التوازن بين التيارين، فحركت الأمواج تحت مركبهم معا، ما جعله يستشعر الخطر بدنو هذه العاصفة من تحطيم المركب بمن فيه، وقذفهم في لجج حماقات محافظيهم الذين طالما تفسّحوا مع حرسهم الثوري في كل الشواطئ الممكنة دون أن يبتل لهم حذاء أو تسقط لهم عمامة، فتوهموا بانفتاح كل البحار والمحيطات والشطآن أمام (تايتانك) الصفوية، قبل أن تهب عليها عاصفة الحزم التي جاءتْ مدوية، وكأنها تحمل في دوّاماتها كل نذر ردود الفعل المستكينة، لتحّولها في مفرق تاريخي وفيزيائي إلى شواظ من نار، أحرق أو كاد، معظم خشب المركب، بعد أن ابتعد كثيرا عن مرافئه الآمنة، ودخل إلى مياه عميقة، لا يأمنها، ولا يأمن غضبها إلا من لا يعرفها، ومن اعتاد أن يستحم بالسراب متوهما أنه بات قبطان كل البحار وقرصانها المهاب. حسن نصر الله، الخطيب المفوّه، ظهر هو الآخر، وعلى غير العادة أيضا بالكاد يرفع كأس الماء بكلتا يديه ليبل شفتيه، عندما خصص ما يربو على الساعة في خطبة (عمياء)، كل جملة فيها تمط لسانها لسابقتها، وتهزأ بلاحقتها، حتى بدتْ في مجملها كمن يريد أن يرتدي قميصا فيجرّه، ويجرّه إلى الأسفل ليستر به بقية جسده، وحين لا يُفلح، يعود ليخلعه ليستعيض عنه بسروال يحاول سحبه إلى أعلى جسده ليكسوه، فيظل هكذا طيلة الوقت بين عري وكساء، ولأن خطاب الساعة تنتظم فيه التلفيقات والمفارقات كحبات مسبحة مئوية، فسأكتفي منها بواحدة كنموذج فقط، فسماحة السيد الذي هبّ بميليشياته جهة سورية معطياً ظهره لإسرائيل، بدعوى الحرب الاستباقية ضد التكفيريين كما يدّعي، والذين يهددون سلامة مقاومته، يستكثر على السعوديين والخليجيين والعرب أن يهبّوا ليس بشكل استباقي وإنما بعدما استنزفوا كل طول البال، وأصبحتْ المدية الإيرانية على الرقاب، وباتوا على مشارف المندب، وفي خاصرة أوطانهم لمنعها من اسقاط الشرعية في اليمن، وبناء نظام " إلهي " جديد في صنعاء يحركونه من طهران كما هي حال الضاحية، بمعنى أنه ما يجوز للسيد حسن، يجب ألا يجوز لغيره، وأن ما يحلّ له، وهو ابن آل البيت، ولا أعرف أي بيت؟، يحرم على من يخدم البيت، وتُنيط به الأمة، كل الأمة هذه المسؤولية الكبرى؟ وربما كان علينا أن نتفهّم أن قاسم سليماني جاء إلى شمال اليمن فقط للنزهة وللبحث عن الكافيار في بطارخ سمك الحفش في رملة دُهم! العاصفة لم تحثُ التراب في عيني السيد وحده، وإنما أدمعتْ كل العيون التي اعتادتْ أن تكتحل بمرود الملالي لترى كل قبحٍ فيه حُسْناً، وكل حُسْنٍ في غيره دمامة، وطيّرتْ كل العمائم، وأفقدتْ كل الرؤوس السكرى بحلم الامبراطورية الفارسية صوابها، من بعض الساسة والنواب والكتّاب والصحافيين ممن يصطفون رأس كل شهر على عتبات سفارة طهران في بيروت لقياس حجم الرضا في ترمومتر بركات كف السفير محمد فتحعلي، حتى أصبح من يُقدم نفسه بالأمس على أنه قومي عربي أو حتى ناصري، يرى بين عشية وضحاها في إيران قلعة العروبة، وفيما ترتكبه من حماقات في حق الهوية العربية وتهشيمها على رؤوس أصحابها عزة العروبة ومبعث مجدها، ليكون لعلي صالح الذي لفظه الشعب اليمني، كل معاني الطهر بعد أن تعمّد بمياه الآيات المقدسة بتحالفه مع الحوثيين، والتي غسلتْ فيما يبدو كل أوزاره وأدرانه وخطاياه، فتخلّص في هبة عاصفة من جنابة الدكتاتورية، إلى طهارة ونقاء المناضل الممانع، بعد أن اختلطتْ الرؤية، وأغطشتْ العاصفة بصيرة وبصائر باعة المواقف، وعروبيّي الشنطة، ممن باعوا العروبة في بازار قم، وقبضوا الثمن بالتومان.