أتعامل مع التاريخ بوصفه مخلوقا حيا له لغته الخاصة المكونة ليس من حروف بل من أفعال. كل منا ما عدا الخاملين يكتب التاريخ. حتى الأشرار والسفهاء منا يساهمون أيضا في صنع التاريخ بما يقدمونه للدنيا من شر. ورغم شعورنا باليأس والتشاؤم في حالات كثيرة، أقصد تلك الحالات التي ينكسر فيها البشر وينهزم فيها الخير ويسقط الحق صريعا على الأرض. غير أنه من المؤكد أن خط سير التاريخ بوجه عام يمضي في طريقه في اتجاه قيم الإنسان العليا من حق وخير. صحيح هو يتوقف عند محطات الشر، غير أنه لا يتوقف عندها طويلا. ربما تجد في طريقتي في التفكير تفاؤلا ساذجا وإيمانا طوباويا بحتمية انتصار الحق والخير في نهاية الأمر. حتى لو كان الأمر كذلك بالفعل، فعلينا تفسير أمر مدهش وهو لماذا لا يعيش الإنسان حتى الآن في الكهوف والغابات. لماذا يسارع معظم الناس إلى الوقوف بل والقتال مع ما يؤمنون بأنه الحق. مع تسليمي بأنه لا يوجد ما يسمى بالحتمية التاريخية غير أني أؤمن بأن التاريخ يمشي في ود وصداقة واتفاق مع الحضارة. أنا أحد أفراد مجموعة من المثقفين غير المحترفين، يعني من ذلك النوع الذي لا تراه في الفضائيات ولا تقرأ له في الجرائد. غير أنهم جميعا مهمومون بالهم العام.. كان السؤال هو: ما الذي يجعلنا بهذا الوثوق من انتصار السعودية في هذه المعركة؟ وكانت إجابتي هي: لأنها قوية بنفسها وبحلفائها إلى الدرجة التي تضمن لها الانتصار في هذه المعركة.. لا يكفي في هذه الدنيا أن تكون ضعيفا ثم تتخيل أنك ستحصل على حقك الضائع بمجرد أن تصيح: ساعدني أيها التاريخ لأن الحق معي. عندها سيرد عليك التاريخ: الحق معك والضعف معك أيضا وأنا لا أحب التعامل مع أصحاب الحقوق الضعفاء. إنني أنظر إلى الضربات التي وجهتها السعودية إلى جماعة الحوثيين بوصفها نقطة انطلاق جديدة للتاريخ في منطقتنا، ربما يكون ما أقوله هو تفكيرا بالتأمل، لا بأس.. الآن فقط سيكون من السهل على الشعب اليمني أن يفهم أنه ليس في حاجة إلى زعماء يذهبون به إلى الجحيم. وأنه في أشد الحاجة إلى الدولة بمعناها المعاصر. كما أن الإخوة الذين يلعبون في المنطقة من خلف ساتر، سيفهمون أن الآخرين قادرون على حماية أنفسهم عندما يشعرون بأنفاس الخطر تلفح وجوههم. وربما تمر عليهم لحظات يعيدون فيها التفكير في طريقتهم في التعامل مع دول المنطقة.. لا بد أن يتغير شيء داخل اليمن ولا بد أن يتغير شيء داخل إيران. الرأي العام في الشارع، في أي شارع في أي دولة، يشعر بالفرحة عندما تتمكن أجهزته السرية من إزعاج الآخرين. وبالمقابل يشعر بالاحتقار لهذه الأجهزة عندما ينكشف دورها أو عندما تمنى بهزيمة. ستدفع هذه الأجهزة ثمنا كبيرا نتيجة احتقار الشارع لها. وربما في لحظة استنارة مفاجئة يفكر بعض العقلاء هناك في أنه «مش كل الطير يتّاكل لحمه» كما يقول المصريون. عندها ربما يعيدون اكتشاف أنفسهم واكتشاف دول المنطقة المحيطة بهم.. ربما أيضا يقول كبيرهم لمستشاره: شورتك منيّلة يا أخ علي..