كانت المروءة والشهامة التي تحلى بها أصحاب المبادرة الخليجية بشأن اليمن في التعامل مع الرئيس السابق علي صالح هي ما أملى عليهم إيجاد طريقة مشرفة لخروجه تحفظ ماء وجهه، إلا أن شخصيته تتصف بالتناقضات والمراوغة والانتهازية واللعب على كل الحبال والاستعداد لنقض العهود والمواثيق والاتجاه مع ريح المصلحة الشخصية أينما اتجهت، ولو تأملنا ملامحه جيدا عند توقيع المبادرة في الرياض لتأكد لنا أنها كانت تقول شيئا مختلفا غير القبول بالمبادرة، كانت كلها توحي بأن شيئا ما يعتمل في نفسه ويستعد لتنفيذه عندما تحين الفرصة، إضافة إلى أن علي صالح يحكم في دولة عالمثالثية عربية، وأنه ملتصق بالكرسي 33 عاما، هذه المدة الطويلة بهذا الحال لا بد أن تخلق شخصا عدوانيا عنيفا لو شعر بأن أحدا ينازعه على الحكم فكيف وهو يتركه عنوة. إنه ليس رئيسا في دولة غربية حتى يغادر قصر الرئاسة ليحاضر في جامعة أو يكتب مذكراته أو يمضي وقته مع عائلته، هو رئيس قفزت به الصدفة إلى الحكم فتشبث به أكثر من ثلاثة عقود متغنيا بالديموقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، والويل كل الويل لمن اقترب من الكرسي. لذلك، ليس مستغربا أن يقترف ما لا يخطر على بال وهو يعيش في البلد الذي حكمه كمواطن، وبجانب القصر الذي أمضى فيه زمنا طويلا، شيء لا يمكن أن يستوعبه أبدا ولا بد أن يتحالف مع كل الشياطين من أجل حلم القفز مرة أخرى إلى الحكم. عاد إلى رئاسة حزب المؤتمر وجند قناته الإعلامية للحديث عنه كرئيس مستمر، وعندما لاحت ورقة الحوثيين دخل على الخط بمكره وتحالف معهم وهو يعلم أن إيران هي التي تريد اقتحام الساحة مع أنه كان يلهج بالعروبة وأصلها وفصلها. لقد جند حرسه وجيشه وميليشياته لتدمير ما تبقى من اليمن على أمل أن يقذف بالحوثيين في البحر ثم يعود للسلطة، ومع وضوح ذلك كان ينكر حتى انكشف كل شيء بعد عاصفة الحزم. كل مغامرة وحماقة بالإمكان أن يقترفها علي صالح بقدر من الذكاء إلا عندما أرسل ابنه أحمد إلى الرياض لتقديم عرض في منتهى الخزي والصفاقة مع أنه يعرف عقليات وشيم المسؤولين الذين تعامل معهم طويلا. هذه المرة أثبت أنه بعيد كل البعد عن أدنى قدر من الوطنية أو الأخلاق أو المسؤولية. كشف نفسه بشكل مقزز وسقط السقطة الأخيرة التي لن ينهض بعدها، ولن تقوم له قائمة، وكم كان حظ اليمن عاثرا عندما كان يحكمه شخص بهذه الصفات مدة ثلث قرن.