التدفقات المالية أحد روافد النمو الاقتصادي، وتحكمه مجموعة أنظمة محفزة لاستمراره إذا أجيدت آليات التنفيذ، وخلصت من البيروقراطية المنفرة لها، والمعيقة لانتشارها وتنوع عملياتها الاستمرارية، ولا ننسى أن مصابها وقنواتها تتركز في البنوك وبقدر ما تمثله هذه البنوك من مرونة لتنساب من خلالها مشروعات التنمية على منهجية الخطط المرسومة، إذا لم تعترضها كوابح الفساد أو قصور في التخطيط أو سوء التنفيذ أو تغيير في المسار. فالبنوك كفيلة بتكملة المسيرة بتعهدها وضمانها حسن الأداء، وهذا ما تتولاه مؤسسة النقد كممثل لوزارة المالية التي تتحكم في الدورة الاقتصادية بالمملكة. ولهذا أصبحت البنوك تشكل الشريان النابض للمشهد الاقتصادي الدال على الحركة والنمو، وعندما نرى أحد مسارات هذا المشهد وهو عمليات التأسيس لمساهمات جديدة، سواء كانت عقارية أو تجارية أو صناعية أو تخصيص لمنشآت الدولة القائمة، نجد أنها تفوق أضعافا مضاعفة لما طرح، مما ينم عن وجود وفر مالي لدى الأفراد ومؤسسات القطاع الخاص. والدليل على ذلك، ما يظهر لنا عندما يبدأ الاكتتاب في شركة جديدة نجد أنها غطيت مساهمتها بنسب مضاعفة عدة مرات، وبحجم استثماري يقدر بمبالغ بالمليارات، حسب ما يذكره المسؤولون عن الاكتتاب، في مدة لا تتجاوز 15 يوما، أي بمعدل ما يفوق مليار ريال يوميا. وإذا أضفنا إلى ذلك ما يتم تداوله في بورصة الأسهم الأخرى، والتي تتجاوز مبلغ 40 مليار ريال خلال الأسبوع، أي بمعدل يومي 6 مليارات ريال، حسب المصدر تداول وهذا يعني أن استثمارات الأسهم تقدر بالمليارات يوميا. وهنا تبرز علامات الاستغراب، كيف يتسم ذلك مع انتشار شركات التقسيط، وما اخترعته البنوك من أنظمة التورق، وما اعتراها من تعثر في السداد ونشوء الديون المعدومة والقوائم السوداء الموحدة بين البنوك عن بطاقات الائتمان والدعاوى المقامة في الحقوق المدنية والشرطة والمحاكم بشأن الاستحقاقات الواجبة الدفع بموجب كمبيالات أو سندات لأمر أو عقود إلزامية السداد، سيولة منهمرة في الأسهم، وديون متعثرة في خلافها، أمران متناقضان لا يتوافق معهما منطق إلا إذا عرفنا سر الطبخة، وهي التسهيلات الائتمانية التي تغدقها البنوك على مضاربي الأسهم، فهي تشكل 60 بالمائة من قيمة الأسهم، حسب تصريح محافظ مؤسسة النقد، وهذا يعني ما قيمته 6 مليارات ريال يوميا، ومن ابسط أبجديات الاقتصاد افتراض نسبة التعثر ما بين 5 و10 بالمائة من قيمة القروض، بمعنى توقع ما بين300 و600 مليون متعثرة السداد والدليل على هذه الفرضية، أن البنوك تعتمد أسلوب التأمين عليها. وإذا أخذنا جانبها الحسن، فإن البنوك تلعب على الحبلين، فهي مضارب رئيسي عن طريق صناديقها الاستثمارية، وتقرض المضاربين الآخرين لتصطاد عصفورين بحجر، فهي تلعب الدور الرئيسي وتشارك اللاعبين الآخرين في لقمتهم بعمولة التسهيلات التي ستضاف على قيمة السهم ففي حالة تردي السعر تكون النتيجة تعثر السداد. ولهذا تحتاط البنوك باشتراط أن تكون المحفظة الاستثمارية تعادل 150 بالمائة من قيمة القرض، علما بأن البنك هو المالك الحقيقي للأسهم المخصصة حتى سداد القرض، بغض النظر عن نتيجة التداول مما يربك المقترض في عدم قدرته على انتظار تحسن الأسعار في حالة ترديها؛ لأن البنك مخول بالبيع؛ لضمان السداد حتى ولو طالت أسهم الزيادة المشروطة حسب العقد، وهنا تكون كارثة المضاربين الجدد؛ لأنهم نافسوا خبير المضاربات.. فهل لنا من يعيد التوازن للسوق ويجعله أقل خطرا من النكبات التي ترتبت.. آمل ذلك. باحث وكاتب