بعد أحداث (11 سبتمبر)، قدم مركز راند للدراسات الإستراتيجية ، رؤيته لمنطقة الشرق الأوسط وُسميت هذه الدراسة (ملاحة في بحر مضطرب)، واعتمدت هذه الدراسة كإستراتيجية للأمن القومي الأمريكي في السنوات الأربع اللاحقة ، وعندما تولت كوندليزا رايس منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، شرحت أمام أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي أهم ملامح هذه الإستراتيجية ، ولخصتها بكلمتين (shifting alliance)، وتقصد بذلك إعادة ترتيب قائمة الحلفاء في العالم ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. وبناء على هذا التوجه الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية ، انحازت الولايات المتحدة إلى إيران على حساب الدول العربية ، ومنذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة والولايات المتحدة تسير وفق هذه السياسة التي سمحت لإيران بالتدخل في الشأن العربي والسيطرة على المفاصل في كثير من دوله، وهو ما رأيناه تحقق بوضوح في العراق وسوريا ولبنان، وفشل في البحرين، وسيفشل بإذن الله في اليمن. عاصفة الحزم، ستعيد حسابات الولايات المتحدة والقوى العظمى في منطقة الشرق الأوسط، وستدرك أن الدول العربية لن تسمح بعد اليوم لكائن من كان باحتلال الدول العربية، أو التلاعب بها كأوراق سياسية ضمن صراعات موسكو وواشنطن والاتحاد الأوروبي. عاصفة الحزم أسست لبناء قوة عربية مشتركة ، والتي نوقشت في اجتماع القمة العربية السادسة والعشرين ، وهذه بارقة أمل وميلاد جديد لجامعة الدول العربية كما ذكر أمين عام الجامعة نبيل العربي ، وهي حلم كل مواطن عربي، يرفض هيمنة القوى الكبرى على القرار العربي، ويرغب في أن تكون الدول العربية قادرة على حل النزاعات فيما بينها وردع المعتدي دون الحاجة لتدخل أجنبي. المواطن العربي المحب والحريص على لحمة الأمة العربية يتساءل بحرقة وألم: هل فكرة القوة العربية المشتركة حلم؟، أم مشروع يمكن تطبيقه ويمكن للأجيال أن تراه؟، وهذا يقودنا إلى العودة قليلاً إلى التاريخ ، فمشروع القوة العربية قديم ، وقد طُرح في عام (1950م) بمسمى آخر (معاهدة الدفاع العربي المشترك) ، ولم يرَ النور ، ثم أُقر (مجلس الأمن والسلم العربي) في قمة الخرطوم عام (2006م) ولم يرَ النور ، وها نحن بعد (65) عاماً، نناقش إنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب ، وردع أي قوة معتدية على العالم العربي ، بجهد عربي موحد، دون الحاجة لطلب العون من دول الغرب أو الشرق أو المشاركة في تحالف دولي بإملاءات غربية . وهناك أسئلة مشروعة يطرحها المواطن العربي، ماذا أعاق تنفيذ معاهدة الدفاع العربي المشترك التي أُقرت عام (1950م) أي منذ (65)عاماً؟ ،أليست التوجهات السياسية المختلفة بين الدول العربية والتي تحولت لاحقاً إلى خلافات عربية عميقة؟، وكيف لدول تحكمها أحزاب موالية لإيران أن تكون جزءًا من القوة العربية المشتركة؟، وهل تكوين قوة عربية مشتركة من مصر والأردن ودول الخليج سيسمح لها بالتدخل عسكرياً بعيداً عن ميثاق الأمم المتحدة التي وقعت عليه؟، وهل لدى القوة العربية المشتركة القدرة على تخطي قرارات مجلس الأمن؟، وهل ستسمح الدول العظمى بإنشاء مثل هذه القوة التي تُعتبر تهديداً للكيان الصهيوني؟، وإذا أصرت الدول العربية على إنشاء مثل هذه القوة فمن أين لها بالسلاح؟، وكيف للدول العربية أن تنشئ قوة عربية مشتركة بطائرات أمريكية، وصواريخ روسية، وفرقاطات فرنسية؟، وإذا تعارضت مصالح الدول العربية مع القوى العظمى فكيف للدول العربية أن توفر الذخائر وقطع الغيار؟. وهنا أقول إن نجاح وتحقيق هذه الأمنية مرهون بثلاث نقاط، أولاً ، قدرة الدول العربية على تجاوز خلافاتها السياسية وخصوصا تجاه القضايا الجوهرية ، وثانياً ، أن يتوافق مع إنشاء هذه القوة، البدء بصناعات حربية عربية ، وأقول ذلك تحسباً لتحفظ الدول العظمى على هذه القوة كونها ستكون تهديداً للكيان الصهيوني، وإذا أصر العالم العربي ونجح في إنشاء هذه القوة رُغماً عن القوى العظمى، فستستخدم الدول المصدرة للسلاح قيوداً قد تصل إلى حظر الأسلحة ذات التقنية العالية، وعلى الدول العربية أن تكون جاهزة لمثل هذا التحدي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصناعات العسكرية في دولة مصر الشقيقة مقيدة باتفاقية كامب ديفيد، وتبقى الخيارات مفتوحة أمام الدول العربية الأخرى وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي التي حباها الله بقوة اقتصادية تسمح لها بتبني إستراتيجية صناعات عسكرية متقدمة بعقول خليجية وعربية وإسلامية، وفي هذا الشأن أحيل القارئ الكريم إلى مقال كُتب في هذه الصحيفة الموقرة بعنوان (الصناعات الحربية إرادة دولة)، ثالثاً ، سيكون لآلية وتفاصيل الكيفية التي ستتحرك بها تلك القوات أهمية كبرى في تحديد مدى نجاعتها ، فعلى سبيل المثال ، هل ستتحرك تلك القوات بقرار الإجماع أم بقرار الأغلبية، ولذلك فإن تلك النقاط محورية، وستحكم على نجاح أو فشل هذا المشروع. وحتى ذلك الحين الذي تتشكل وتُفعل فيه هذه القوة، تبقى قوات درع الجزيرة نواة جاهزة وتحتاج إلى تطوير قدراتها، وقد أثبتت كفاءتها وقدرتها على التعامل السريع والحاسم مع التهديدات الإقليمية كما حصل في البحرين والآن مع اليمن.