×
محافظة المنطقة الشرقية

اليمن .. مقتل 5 مدنيين في قصف مدفعي للحوثيين على الضالع

صورة الخبر

جاء القرار السياسي السعودي باستخدام القوات المسلحة السعودية بغرض دعم الشرعية السياسية للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته. هذه الشرعية السياسية لم تضعها المملكة العربية السعودية أو مجلس التعاون أو جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة، وإنما وضعها الشعب اليمني بمختلف مكوناته السياسية والاجتماعية عن طريق صناديق الانتخابات التي جاءت بناء على المبادرة الخليجية التي وُقعت في الرياض عام 2011م. ولكن عندما وجدت المملكة العربية السعودية بأن هذه المبادرة السياسية التي تم التوقيع عليها من قبل جميع القوى السياسية والشعبية في اليمن لم تطبق على أرض الواقع، ورأت أن هناك من يستغل هذه المبادرة السياسية لتحقيق أهداف غير أخلاقية على الأرض اليمنية بغرض الاضرار باليمن ارضاً وشعباً وبالأمن والاستقرار العربي، وجدت السعودية نفسها مُجبرة على استخدام أداة سياسية متقدمة تتمثل في القوات المسلحة لحماية اليمن أرضاً وشعباً وحفظ الأمن والاستقرار العربي. وبما أننا ذكرنا بأن استخدام القوات المسلحة كأداة سياسية أخيرة لتحقيق أهداف السياسة، فإنني، قبل مناقشة من المستفيد من استخدام القوات المسلحة، أريد أن أعرض بنقاط العمل السياسي الذي اتبعته السياسة السعودية من مبدأ تفعيل الأدوات السياسية قبل أن تتدرج لتصل لاستخدام الأداة العسكرية على اعتبار أنها أداة من الادوات السياسية. وما دفعني لذلك نقطتان رئيسيتان: النقطة الأولى تتمثل في التضليل الذي تحاول أن تمارسه بعض العناصر المحسوبة على الدول المعادية للسعودية والعرب ومحاولة إيهام الرأي العام بأنه يجب إعطاء مزيد من الوقت للعمل السياسي، وهذا ليس حرصاً منهم على اليمن، وإنما لخدمة أهداف من وظفهم ليكونوا عملاء لأعداء الأمة العربية والإسلامية؛ والنقطة الثانية تتمثل في وضع القارئ الكريم في مجال العلاقات الدولية والسياسية الخارجية بشكل مباشر وهي أن السياسة السعودية تقوم بعمل منهجي في سياستها الخارجية له أهدافه وخياراته وخططه التي رُسمت ووضعت خلال عقود وليس سنوات مما يجعل القرار السياسي قراراً رشيداً. إذاً ما هي الخطوات السياسية التي تبنتها السياسة السعودية في إدارة الأزمة اليمنية؟ الخطوة السياسية الأولى: المبادرة الخليجية: استجابة للتطورات السياسية المتمثلة بخروج الشعب اليمني بثورة تطالب بضرورة عزل الرئيس علي عبدالله صالح الذي يحكم اليمن منذ عام 1978م، بادرت دول مجلس التعاون في ابريل 2011م للتوسط لحل الأزمة القائمة وتم قبول هذه الوساطة من جميع الأطراف اليمنية ليتم التوقيع عليها في الرياض بتاريخ 23 نوفمبر 2011م. الخطوة السياسية الثانية: حوار الرياض: مباشرة بعد طلب الرئيس عبدربه منصور هادي، في 3 مارس 2015م، نقل الحوار السياسي بين الأطراف والأطياف اليمنية إلى مقر مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بادرت السعودية بقبول الدعوة والترحيب بجميع الأطراف السياسية اليمنية ومن غير تحفظ على أي طرف طالما أن هدفه دعم الأمن والسلم والاستقرار في اليمن. علماً بأن هذه الخطوة أتت بعد أن قامت جماعة الحوثي بالانقلاب على الشرعية السياسية اليمنية واستخدامهم السلاح ضد الشعب اليمني ومحاولة اسقاط عدن. الخطوة السياسية الثالثة: تصريح وزير الخارجية السعودي خلال لقائه وزير الخارجية البريطاني السيد فيليب هاموند يوم 23 مارس 1436ه عندما قال"إن الحل في اليمن لا يمكن الوصول إليه إلا بالانصياع للإجماع الدولي برفض الانقلاب وكل ما ترتب عليه، بما في ذلك الانسحاب الحوثي المسلح من كافة مؤسسات الدولة، وتمكين الحكومة الشرعية من القيام بمهامها الدستورية، آخذا في الاعتبار ان أمن اليمن وأمن دول مجلس التعاون هو كلّ لا يتجزأ، مع تأكيد أهمية الاستجابة العاجلة لدعوة فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي لعقد مؤتمر في الرياض تحت مظلة مجلس التعاون يحضره جميع الأطياف السياسية الراغبين في المحافظة على أمن واستقرار اليمن. الذي تؤيده حكومة إنجلترا مشكوره." وعندما لم تتم الاستجابة لهذه الخطوات السياسية الثلاث التي أخذت مدى زمنياً امتد لأربعة أعوام، بل على العكس تماماً استغلت هذه المبادرات السياسية سلبياً من قبل جماعة الحوثي عملاء إيران لتعزيز مواقعهم والقوى الانتهازية التي غلبت مصالحها السياسية على مصالح الشعب اليمني والأمن العربي. وعندما وجدت السياسة السعودية أن الوضع في اليمن وصل لمرحلة متقدمة جداً من عدم الاستقرار وغياب الأمن وإمكانية أن تصل الأوضاع لحرب أهلية بين أبناء الشعب اليمني، بالإضافة لرؤية عملاء إيران ينفذون أجندة تهدف لشق الصف اليمني والتأثير المباشر على الأمن والاستقرار في المنطقة، وجدت السياسة السعودية وجوب استخدام القوات المسلحة كأداة سياسية. هذه الخطوة السياسية السعودية المتمثلة باستخدام الأداة العسكرية تعتبر خطوة إيجابية تستفيد منها أطراف عدة، وهم: الطرف الأول: الشرعية السياسية اليمنية: فالانقلاب المسلح الذي قامت به جماعة الحوثي عملاء إيران في اليمن كان هدفه الرئيسي استبدال الشرعية الدستورية التي ارتضاها الشعب اليمني لصالح خدمة مصالح الدولة الإيرانية في المنطقة. فجماعة الحوثي كانت في طريقها للقضاء على السلطة الشرعية التي اتخذت من عدن عاصمة موقته بعد سقوط صنعاء في يدهم. لذلك جاء التدخل العسكري السعودي مع قوى التحالف داعماً للشرعية ومحافظاً عليها من السقوط والانهيار وليجعل السلطة السياسية اليمنية في أزهى صورتها تتمثل في رئيسها على رأس وفد جمهورية اليمن في مؤتمر القمة العربية في دورته السادسة والعشرين في شرم الشيخ. الطرف الثاني: الشعب اليمني: فمنذ انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن، عملوا بكل جهد على سرعة تسليم الأرض والأجواء والموانئ اليمنية للدولة الإيرانية التي حاولت استغلال كل دقيقة لتثبيت عملائها ودعمهم بكل أنواع الدعم لكي يتمكنوا من فرض سلطتهم على جميع الأراضي اليمنية. كذلك حاولت جماعة الحوثي أن تمارس أذلال للشعب اليمني عن طريق تسليم اليمن للدولة الإيرانية التي ستمارس عليهم الطائفية والعنصرية العرقية التي تتبناها في داخل إيران وفي الدول التي يتواجد فيها عملاؤها. لذلك جاءت العملية العسكرية السعودية لترفع الظلم عن الشعب اليمني ولتساهم في اعادة حقه وتخدم كرامته التي هي من كرامة كل العرب. الطرف الثالث: أمن واستقرار دول مجلس التعاون: كادت الأوضاع السياسية والأمنية المتسارعة في اليمن أن تصل باليمن لمرحلة متقدمة من عدم الاستقرار مما سيؤثر بشكل مباشر على أمن واستقرار دول مجلس التعاون بحكم الحدود المشتركة للسعودية وسلطنة عُمان مع الدولة اليمنية. لذلك جاء قرار استخدام الأداة العسكرية ليساهم في بناء الأمن والسلم والاستقرار في الداخل اليمني عن طريق ضرب جماعة الحوثي المسلحة ودعم الشرعية السياسية التي ستفرض الأمن والاستقرار في اليمن. الطرف الرابع: الأمن القومي العربي: غياب الأمن وعدم استقرار اليمن أو سيطرة دولة معتدية عليه، سيعرض الأمن القومي العربي للخطر. فالموقع الجيواستراتيجي لليمن يعطيه من المميزات الاستراتيجية الكثير. فبالإضافة لإطلالته على بحر العرب ومنه للمحيط الهادي، فهو يشرف بشكل مباشر على مضيق باب المندب الذي تمر عبره التجارة النفطية والاقتصادية الخليجية والعربية للدول الغربية. كذلك يعتبر بوابة البحر الأحمر الذي تطل عليه دول عربية قد تتأثر موانئها من وجود دولة معتدية في جنوبه. أيضاً عدم سلامة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب سيؤثر بشكل كبير جداً على الحركة الملاحية في قناة السويس التي تعتبر مصدراً استثمارياً مهماً للدولة المصرية. لذلك جاء قرار استخدام الأداة العسكرية بهدف المحافظة على الأمن القومي العربي ورسالة بأنه الدول العربية لن تتردد في استخدام قواتها المسلحة لضرب العابثين في أمنه واستقراره. الطرف الخامس: الأمن والسلم الدولي: غياب الأمن وعدم الاستقرار في اليمن يعني: 1) انشغال السياسة الخليجية بأوضاع اليمن على حساب المساهمة في دعم الأمن والسلم العالمي؛ 2) إمكانية التأثير السلبي على اسعار النفط نتيجة لرفع كلفة التأمين على ناقلات النفط بسبب غياب الأمن في المياه الدولية المحيطة باليمن. فارتفاع اسعار النفط بشكل كبير سيؤثر بشكل سلبي على الدول النامية التي لا تستطيع شراءه، وكذلك سيرفع تكلفة الانتاج بالدول الصناعية؛ 3) توفر البيئة المثالية لتواجد الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية وتكاثرها. فإدراك السياسة السعودية لمثل هذه السلبيات جعلها تأخذ قرارها باستخدام الأداة العسكرية خدمة للأمن والسلم والاستقرار العالمي الذي تستفيد منه جميع الدول. الطرف السادس: فضح عملاء الدولة الإيرانية في المنطقة: في الوقت الذي يطالب فيه رئيس الجمهورية اليمنية بتدخل عربي لحماية أمن وسلامة واستقرار اليمن، وجدنا طرف عربي آلمه طلب الرئيس اليمني وأفقده التدخل العسكري صوابه لأنه ضرب أحد عملاء الدولة الإيرانية في اليمن ويخشى أن يتعرض لما تعرضت له جماعة الحوثي. فجاء صوت عميل إيران في لبنان المتمثل في "حسن نصرالله أمين حزب الله" منتقداً التدخل العسكري ومؤيداً التواجد الإيراني في اليمن. لذلك فإن من المكاسب الكبيرة للضربة العسكرية افتضاح أمر هؤلاء العملاء والمرتزقة أمام الرأي العام العربي والإسلامي الذي كان يتوقع أنهم مقاومون ولكن اكتشف أنهم متآمرون عملاء لصالح الدولة الإيرانية. وأخيراً، من الأهمية القول إن القيادة السعودية ومعها قوات التحالف الدولي العربية والشقيقة والصديقة تحركت بناءً على الشرعية القانونية على ثلاثة مستويات: المستوى الأولى: الشرعية السياسية اليمنية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي وطلبه بصفته رئيساً شرعياً لليمن؛ المستوى الثاني: الشرعية السياسية العربية ممثلة بدعم الدول العربية وجامعة الدول العربية لاستخدام الأداة العسكرية للمساهمة في عودة الأمن والاستقرار لليمن؛ والمستوى الثالث: الشرعية السياسية الدولية ممثلة بدعم الدول الرئيسية في مجلس الأمن للتحرك العسكري في اليمن. فإذا ما أخذنا هذا في عين الاعتبار، ندرك مدى سعادة الشعب اليمني والعربي في تأييده الموقف السعودي المدعوم عربيا ودولياً الذي يهدف لإعادة هيبة سلطته وكرامته السياسية على المستوى الدولي. ونختم بالقول إن استخدام القوات المسلحة سيجعل العمل السياسي والدبلوماسي أكثر إيجابية في قادم الأيام لأن الجميع سيدرك أنه لا مجال للعبث بأرض العرب وباستقرارها. * أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية- جامعة الملك سعود