كل المؤشرات والمعطيات كانت تؤكد أنه لا فائدة من انتظار فرصة للتراجع لدى من يعبثون باليمن ويتمادون في أوهامهم أن باستطاعتهم الاستمرار في فرض الواقع العبثي عليه، وتقطيع أوصاله وشرب نخب الانتصار مع داعميهم على جثته، ثم البدء في مشروعهم الأهم بإشعال الحرائق حوله. والانتظار لم يكن تحسبا لقوتهم أو ترددا في مواجهتهم بقدر ما كان استنفادا لآخر الوسائل الممكنة قبل استخدام القوة لإيقاف همجية عقلية العصابة في عصر الدولة. كانت حساباتهم خاطئة تماما عندما قال قائلهم إنه لا يمكن للمملكة أن تتحرك عسكريا استجابة لنداء السلطة الشرعية لأنهم لا يفهمون سياسة الدول المتحضرة، ولم يفهموا سياسة المملكة على وجه الخصوص التي تتسم بالحلم والأناة والصبر الطويل، لكنها تقول كلاما آخر عندما تحين اللحظة. ظنوا أن جيشها المزود بأحدث الأسلحة والمستعد بأعلى جاهزية جيشا للاستعراض فقط وليس جيشا قادرا على خوض الحرب الحديثة بكل تقنياتها وتعقيداتها، أو أنها غير قادرة رغم ثقلها السياسي ومكانتها العربية والإسلامية والدولية على تنفيذ ما تراه واجبا مشروعا. قد تكون محدودية المواجهة التي حدثت مع الحوثيين قبل سنوات خدعتهم في تقييم القوة العسكرية الحقيقية للمملكة، وربما أوهمهم من يديرونهم ويحركونهم باستحالة ردعهم، وربما أخذوا بمشورة بعض المتآمرين معهم بإمكانية استمرارهم في مشروع الفوضى ليصبحوا لاحقا قوة تفرض شروطها في كل الأحوال. البدائية التي تعاملوا بها مع الشعب اليمني وكل مؤسساته منذ زحفهم على صنعاء حتى اليوم السابق لعاصفة الحزم تؤكد أنهم خارج هذا الزمن ولا يمكن أن يكونوا جزءا منه، ومع ذلك أتيحت لهم أكثر من فرصة لإمكانية دمجهم في سياق عملية سياسية سلمية تنتشل اليمن من أوضاعه المأساوية التي كانوا السبب الأهم فيها، ولكنهم لم يرفضوا ذلك فحسب بل انتفخت أوداجهم بالتهديد وشرعوا في التحرش بحدودنا، وكأن الأمر نزهة سهلة ومأمونة. وكان الخطأ الأكبر عندما ظنوا بأن مناشدة الرئيس الشرعي لليمن المملكة بصفته الممثل لشعب اليمن ومؤسساته الشرعية من أجل التدخل لإنقاذ اليمن سوف لن تتحول إلى استجابة فورية وفعل تنفيذي عاجل مستوف لكل أركانه وشروطه القانونية التي لا يفهمون أبجدياتها. ظنوا أن المسألة لن تتحقق أو أنها تحتاج وقتا طويلا يمكنهم من ترتيب أوراقهم، لكنهم فوجئوا بالحسم الخاطف الذي دك معاقلهم وأوكارهم على امتداد مساحة اليمن خلال ليلة، وقطع عنهم ما كانوا يأملونه من عون وإمداد من الذين حولوهم إلى خونة لوطنهم. لقد بدأت العاصفة التي ستنهي هذه العصابة وتعيد الشرعية لليمن الشقيق العزيز وشعبه الأبي، وسوف تجعل الطامعين والبغاة يعيدون النظر في كثير من قناعاتهم.