×
محافظة المنطقة الشرقية

حريق بأحد خطوط إنتاج شركة«الطباعة والتغليف» في جدة

صورة الخبر

يحاول الروائي اليمني عبد السلام الشريحي في روايته داليا -التي صدرت بمدينة صنعاء مطلع هذا العام- تسليط الضوء على مأساة المرأة اليمنية في الريف، حيث تقبع ذليلة مهانة بعيدة عن اهتمام المنظمات النسوية التي تعنى بالدفاع عن قضايا المرأة. وداليا في هذه الرواية هي المرأة اليمنية، لا في الفضاء المكاني للرواية فحسب، وإنما في مختلف المناطق اليمنية حيث تتشابه العادات والأعراف التي تعمل على قتل إنسانية المرأة، وحيث تعيش المرأة حالتين من البؤس، حالة تتقاسمها مع أفراد المجتمع كدا وشقاء في قرى معزولة وصلتها الدولة ضرائب وجبايات، ولم تصلها وعيا ومنجزات، وحالة تخصها وحدها لأنها مجرد امرأة في مجتمع ينظر إليها بدونية مقيتة، منتقصا من إنسانيتها، واضعا بشريتها موضع تهمة لازمة لا تنفك عنها إلا حين تغادر أشغالها الشاقة إلى القبر. سجِل صادق والشريحي مؤلف الرواية عاش قضايا المرأة منذ طفولته، فهو ريفي فتح عيونه على كفاح المرأة في جبل صَبِر المطل على مدينة تعز وهي تحتطِب وتجلب الماء على رأسها من المسافات البعيدة، وتقوم بجل أعمال الزراعة ثم تعود منهكة لأعمال البيت. وقد تأتي لرؤية المؤلف في هذه القضية أن تتسع من خلال تبنيه عددا من البرامج التلفزيونية ذات البعد الاجتماعي في قناة السعيدة اليمنية حيث أتاح له ذلك الوقوف على قضايا المرأة المختلفة برؤية أكثر عمقا وأشمل إحاطة، ومن هنا يمكن القول إن القضايا الاجتماعية التي حملتها الرواية لم تكن أمثلة وشواهد فحسب، وإنما كانت سجِل توثيق يحمل أغلب المرارات التي تكابدها المرأة اليمنية. ويهيمن على الرواية من مبتداها إلى المنتهي صوت واحد، وهو صوت السارد الذي يخلط بين الحاضر والماضي في تناوب متسق، ويكشف كثيرا من المفارقات على المستويين الذاتي والجمعي. وتتألف الرواية في معمارها السردي من استعراض لطفولة السارد الشقية، ثم انتقاله إلى المدينة وعوداته المتقطعة إلى قريته، وفي إطار ذلك تتوالد قصص عديدة تتشابك فيما بينها، لتنسج المأساة في صور متعددة. نقد الواقع وتمثل داليا -التي جرفها السيل قبل زواجها بأيام وهي تحاول تغيير مجراه إلى مزارع أسرتها- أبرز هذه القصص، وتبعا لذلك جاءت لغة الرواية دامعة مرتعشة، يهيمن عليها انفعال تقريري مباشر، ربما عمد إليه المؤلف ليكون أكثر قربا من شخوص روايته. كما تتكئ الرواية في معادلها الموضوعي على نقد ناقم لكثير من السلوكيات الخاطئة في مجتمع ظهرت فيه المدرسة ووصلت فيه الفضائيات إلى كل بيت، لكن ذلك لم يغير من حقيقة الوضع شيئا. فلا تزال المرأة رغم تفوقها في كثير من ميادين العلم كائنا ناقصا، يطلق عليه -كما تشير الرواية- مصطلح مَكلف. والمَكلف في اللهجة اليمنية مصطلح يحمل الكثير من دلالات الاحتقار والانتقاص، ويصور المرأة على أنها عالة تكلف معيلها دون طائل. ولا تزال الخرافة متجرا رابحا يستفيد منه طابور عريض من المتكسبين المشتغلين بكتابة الرقى والتمائم، والمستعينين بكثير من السذج في نشر قصص خوارقهم وكراماتهم المزعومة، متهمين منكريها بالمروق والفسوق، ومغدقين على أتباعهم أوصاف الرضا حتى يضمنوا بقاء واقع يجبي إليهم جرار السمن والعسل. وتتسع في الرواية دوائر الظلم والجهل واستخدام الدين من قبل قوى سياسية وأخرى تقليدية تكرس الانقسام الاجتماعي، وتدعي تفوقها العرقي، وتعتبر الاستكانة والخنوع لها شرعة ومنهاجا. وتبرز في الرواية سلطة أخرى مخيفة، يقع في قبضتها جل أبناء القرى رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، ألَا وهي ظاهرة تعاطي القات التي تبدأ في سن مبكرة مباهاة ومفاخرة تفضي إلى حالة إدمان حادة، تحتضنها مجالس شيوخ القرية حيث تتعالى ألسنة التبغ وأحاديث السياسة. ولعل أهم ما يحسب للرواية أنها الوحيدة من بين روايات عديدة صدرت باليمن في الآونة الأخيرة حاولت الغوص في قضايا المجتمع الريفي، حيث تعيش المرأة كائنا منبوذا، وحيث لا يكلف زواجها ما يساوي أجرة صالة أعراس متواضعة في المدينة، وفق الرواية.