بداية أسجل شكري وتقديري لكل القائمين خلف القرار التاريخي القاضي بفرض رسوم على الأراضي البيضاء، ويحسب لفيلم "مونوبولي" أنه أشعل الشرارة الأولى في أكتوبر 2011 إذ من خلاله تحول الحديث عن الأراضي البيضاء من حديث تردده الأروقة الاقتصادية النخبوية إلى حديث الشارع ثم إلى مجلس الشورى، حتى أبصر النور في مارس 2015. الفيلم الوثائقي السعودي القصير "مونوبولي" أثار ضجة واسعة حينها على الساحة المحلية وحقق أرقام مشاهدة قياسية في فترة زمنية قصيرة، إذ تجاوز عدد المشاهدات في ظرف أيام معدودة المليون وتسعمائة ألف مشاهدة على موقع "يوتيوب". تدور فكرة الفيلم حول أزمة السكن في السعودية عبر تسليط الضوء على قضية الأراضي البيضاء المحتكرة من كبار المتنفذين. ورغم أن الدراما الوثائقية أبسط كثيرا من الأفلام السينمائية إلا أنها أعظم منها تأثيرا فقد استطاع المخرج "بدر الحمود" توظيف مجموعة من الهواة في حبكة درامية رائعة وعرض ممتع. والملاحظ أن أسلوب الدراما الوثائقية بدأ ينتشر عالميا بكثرة في السنوات الأخيرة، وتعد جائزة الأوسكار إحدى أهم وأرفع الجوائز التي تختص بالأفلام الوثائقية التي تمنحها أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية في كاليفورنيا. "مونوبولي" الفيلم السعودي أعاد إلى الذاكرة الفيلم الوثائقي الأميركي "سيكو" في 2007 ومعناه "الشارع الخلفي لأميركا" الذي يناقش فيه المخرج "مايكل مور" نظام التأمين الصحي في أميركا موضحا أن أكثر من 50 مليون أميركي محرومون من التأمين الصحي، خاصة وأن تكاليف العلاج في أميركا مرتفعة جدا، وتجري فيه مقارنات هامة بمثيل هذا النظام في كندا وإنجلترا وفرنسا. المثير في فيلم "سيكو" أنه انتقل بطريقة تهكمية إلى المقارنة مع نظام الرعاية الصحي المجاني الذي يحظى به إرهابيو "جوانتنامو"، على العكس تماما مع الأبطال الأميركيين الذين ظهروا في الفيلم يعانون من مشاكل صحية بعد مساعدتهم في إنقاذ ضحايا 11 سبتمبر وتجاهل الحكومة لهم، هؤلاء الأبطال الذين حظوا بهذا اللقب في حفل كبير شهدته مدينة نيويورك أثناء تكريمهم لإنقاذ الضحايا، وجدوا أنفسهم يعانون من أمراض نتيجة تطوعهم، ويفاجئهم المخرج "مايكل مور" بحقيقة أن الإرهابيين الأعداء يحظون في سجن "جوانتنامو" برعاية صحية مجانية على العكس من المتطوعين تماما. ما أريد قوله أن قوة الأفلام الجادة ذات الأسلوب الوثائقي تأتي من النقد إذ يتجاوز الفيلم مفهوم الشريط البصري الهوليوودي إلى الوثيقة أو التقرير أو الشهادة التي تكتسب قوتها من الأفكار النقدية في المجتمع. أعود إلى فيلم "مونوبولي" وفيما يلي سأعرض هنا بعض تعليقات الإعلاميين على الفيلم إبان عرضه: 1- فيلم "مونوبولي" الذي عرض على شبكة الإنترنت عمل يستحق التقدير، ولكن المشكلة ليست في الفيلم بل في ردة الفعل التي صاحبت ظهوره حيث لم نر سابقا أي خطة عمل واضحة لحل أزمة السكن الخانقة. 2- الفيلم لم يضع الحلول وليس من مهمته أن يضع الحلول قدر أن يوصل الرسالة المرة بوضوح، عدا فرض رسوم على المساحات البيضاء التي كانت حلما! لكن الحلم اليوم أصبح حقيقة، ونحن بانتظار الآليات والترتيبات لتفعيل القرار التاريخي.