لا يفوّت محرك البحث جوجل Google مناسبة من المناسبات بدون أن يستثمرها بشعار فني Logo؛ للتذكير بها وتوطينها في الوجدان. حيث احتفل يوم الحادي والعشرين من مارس الجاري بيوم الأم بلوحات تعبيرية متحركة تعكس فكرة الأمومة وقدسيتها عند الإنسان والحيوان على حد سواء. وبعد يوم واحد من تفجير متحف (باردو) في العاصمة التونسية وضع العلم التونسي على صفحته بلقطة فنية لافتة ومواسية للشعب التونسي. تماماً كما جسد حالة الحزن والهلع التي أعقبت العملية الإرهابية لمجلة (شارلي إيبدو في فرنسا وهكذا. فهذا المحرك حريص على مسايرة الأحداث العالمية والتنويع على مختلف المناسبات الوطنية والسياسية والثقافية والتاريخية. لا يتنازل جوجل عن شعاره الرسمي في أي مناسبة إلا أن القائمين على تصميم الشعارات يمارسون شيئاً من الإزاحة على الأصل وتوظيف (ثيمة) المناسبة لتجسيد اللحظة المحتفى بها. ففي يوم العمال يستعاض عن حرف (L) بمفتاح ربط (Spanner). كما يستبدل الحرف ذاته بصورة لمؤسس علم الاجتماع ابن خلدون؛ احتفالاً بيوم ميلاده. أو علم السعودية في اليوم الوطني يوم 23 سبتمبر. فيما تكتسي الحروف بذكرى معرفة العالم بالأشعة السينية بلون إشعاعي. وكأنها صورة ما ورائية للحروف التي تأخذ شكل الهيكل العظمي. وفي يوم تمجيد مبتكر سحاب الملابس جيديون ساندباك ينقسم حرف الـ (O) الثاني إلى نصفين بسحاب لقميص يحمل شعار جوجل. كما تظهر صورة الفنان عبدالحليم حافظ في ذات المفصل احتفالاً به. كل يوم يفاجئ جوجل المتصفحين بلوحة جديدة تعكس الذهنية والرحابة المعرفية والأدبية التي يتميز بها هذا المحرك. فقد صار جزءاً لا يتجزأ من يوميات الإنسان المعاصر. حيث يُحتفى بالفنان اسماعيل ياسين إلى جانب الموسيقار بتهوفن والشاعر غوته والشاعر عمر الخيام. وغيرهم من العلماء والمخترعين الذين خدموا البشرية من كل الأمم. بالإضافة إلى أعياد استقلال الدول وأيامها الوطنية. وأبرز الأحداث الرياضية والثقافية والسياسية. فهو يحتفل بيوم الأب، ويوم الأم، ويوم الأرض، ويوم العمال، ويوم المعلم، ويوم العائلة، ويوم المياه العالمي، والفلانتاين، وكذبة إبريل، ويوم أفريقيا، ورأس السنة الميلادية، والصينية، والفارسية، وبداية الربيع، والانتخابات الأمريكية، ويوم هبوط الإنسان على القمر.. وغيرها باستثناء المناسبات والشعائر الدينية. وقد كان الموقع في السنوات الماضية أقل اهتماماً بالمنجز العربي مقارنة بما يستعرضه من مناسبات ومنجزات اسرائيلية. حيث تشير القراءات حتى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة إلى ضآلة الحضور العربي الإسلامي. ولم تكن تلك الإطلالات النادرة، حسب القراءة التحليلية الكمية، إلا حالة من حالات التعمية والإيهام بالحيادية. حيث لم تحضر الدول العربية في شعارات المحرك إلا بعد اعتراضات الناشطين على الاحتفال الجوجلي بما سُمي بالذكرى الـ60 لتأسيس دولة إسرائيل (يوم الاستقلال الإسرائيلي) في 8 مايو 2008م. بانحيازها الصريح جرح المحرك العالمي مشاعر الفلسطينيين وظهرت مطالبات واسعة بمقاطعته أو تعديل سياسته. وهي اعتراضات مشروعة حيث بالغ المحرك في الاحتفال بعيد رأس السنة العبرية المعروف باسم (روش هاشانا) كما احتفل بيوم عودة الإسرائيليين إلى المدارس، والانتخابات الإسرائيلية وغيرها من المناسبات. مقابل احتفالات موسمية باليوم الوطني للسعودية والمغرب والإمارات وميلاد الروائي النوبلي نجيب محفوظ. لم تتبدل سياسة جوجل على مستوى العدالة ما بين الشعوب فقط، بل وسع اهتمامه بالمناسبات، وأشرك المتصفحين في تصميم شعاراتها التي أطلق عليها اسم خربشات Doodles بما يحمله هذا الاسم من دلالات. حيث أعلنت عن مسابقة عالمية تحت هذا العنوان، يمكن حتى للأطفال المشاركة فيها. ثم تم تخصيصها حسب المنطقة الجغرافية. كما رفع من منسوب اهتمامه بكافة الأمم والمجتمعات ومناسباتها ورموزها، فهو محرك كوني ولا يريد أن ينتصر لثقافة دون أخرى. أو أن يبخس أمة من الأمم حقها في الحضور. وكل ذلك التجديد والجرأة في طرح الأفكار والموضوعات واللوحات اللافتة بحاجة إلى قراءات إحصائية يمكن من خلالها الحكم على ما أنجزه جوجل في هذا الصدد. ناقد